كتبت في المقال السابق عن بعض المفاهيم حول الأخطاء الطبية، وأواصل هنا استعراض كيف يحدث الخطأ الطبي. دائما نتحدث عن الخطأ الطبي والطبيب يتحمل الخطأ الطبي الذي يكون هو سبباً فيه ويتحمل مسؤولية جزئية أوكاملة حسب موقعه وتوجيهاته عن الخطأ الذي يرتكبه آخرون بصفته قائدا للفريق الطبي. لكن الإنصاف يتطلب القول: إن الخطأ الطبي يمكن أن يحدث في كل جزئية من العمل الصحي، فقد يحدث عند موظف الاستقبال كأول شخص يستقبل المريض ويطلب ملفه، عندما لا يتأكد من بيانات المريض فيجلب له ملفاً لا يخصه. لدينا قد يحدث الخلط بسبب تشابه الأسماء العائلية وعدم اعتماد بعض المؤسسات الصحية على التأكد من البطاقة الشخصية ومطابقة بياناتها. الخطأ قد يحدث من عدم التأكد من شخصية المريض المنوم، على سبيل المثال عندما يعتمد الكادر الطبي على تصنيف المرضى بأسرتهم (جمع سرير) وغرفهم فيطلب مريض سريرا معينا ويكون تم تغيير ذلك المريض وهو لا يعلم.
الخطأ قد يحدث من بيئة المستشفى أو غرفة العمليات أو العناية وقد رأينا أن بعض المستشفيات تنتشر فيها العدوى بسبب مشاكل فنية في المبنى أو التكييف أو النظافة أو غير ذلك.
الخطأ قد يحدث نتيجة عدم توفر الأدوات واللوازم المطلوبة وهذا ليس يتحمله الطبيب وحده بل الإدارة.
الخطأ قد يحدث نتيجة صرف دواء أو وصف دواء بطريقة خطأ، وإذا لم يوجد الصيدلي المتمرس الذي يراجع الطبيب ويصحح الخطأ الذي قد يقع فيه الطبيب فإن المريض قد يتعرض للخطأ الدوائي.
الخطأ قد يحدث بعد العملية لعدم وجود فريق تأهيلي أو تمريض مناسب..
الخطأ قد يحدث نتيجة لضعف معايير التعقيم بالمستشفى.
الخطأ قد يحدث بسبب عدم صلاحية ودقة قراءات الأجهزة الطبية ...
الخطأ قد يحدث نتيجة ضعف مستوى الكادر الصحي علمياً ومهنياً وأخلاقياً...
الخطأ قد يحدث نتيجة خلل في النظام داخل المؤسسة الصحية الذي يحكم علاقة العاملين في مختلف القطاعات ويوضح المسؤوليات ويوثق الإجراءات.
الخطأ قد يحدث نتيجة ضعف آليات التواصل وتبادل المعلومات بين أعضاء الفريق المعالج وعدم استجابتهم في الوقت المناسب لنداء المريض أو ندائهم بعضهم بعضا...
وهناك أسباب أخرى تبين بأن كل عضو بالفريق الصحي قد يكون له دور في الخطأ الطبي، لكن ما يحدث غالباً هو إهمال تتبع مصدر الخطأ والتركيز على جزئية محددة، بل إن الأسوأ من ذلك هو التضحية بعضو أو عضوين من الفريق الصحي بتحميلهم المسؤولية نيابة عن الآخرين وعن الإدارة وعن المؤسسة، وبشكل متحيز للفئة أو الجنسية أحياناً. هل سمعتم بأنه تم تحمل أو تحميل مسؤول صحي بأي مؤسسة صحية مسؤولية الخطأ؟
إحدى المعضلات الرئيسة لدينا تكمن في ضعف التوثيق وبالتالي صعوبة تتبع الإجراءات ومصدر الخطأ بالضبط. لدينا ضعف واضح في توثيق ما يقوم به الفريق المعالج بكافة فئاته من إجراءات للمريض بدقة وحسب توقيتها وفق المعايير العلمية الدقيقة؛ ضعف في معرفة تلك المعايير وقدرة الكادر الصحي على تطبيقها وفي عدم وجود آليات متابعة ومراقبة ومحاسبة واضحة للقصور. لا أدري كيف يحكم في الخطأ الطبي في ظل ضعف التوثيق هذا!
الخطأ الطبي سيستمر بروزه ظاهراً ومستتراً، طالما نحن ننتظر حدوثه ولم نصلح الأنظمة ونطور الإجراءات ونحسن آليات المتابعة والمراقبة والتقويم والمحاسبة والتعلم من الأخطاء الحاصلة.