لا أعتقد أن هناك من ينافسنا في مطاردة النساء وترصد تحركاتهن في المراكز التجارية، وفي الطرقات، والمرافق الحكومية، وعند أبواب الخروج لقاعات الحفلات، أو الفنادق، وبوابات الجامعات والمدارس، بل حتى في المستشفيات عند متابعة المواعيد أو زيارة المرضى!.. فانتقلت حمى الترصد بالعيون ومطاردة أجساد النساء المتحركة تحت السواد بدورها للأسف الشديد حتى إلى العمالة الأجنبية! ولا أعلم هل ذلك كان بالاكتساب البيئي أم بتحفيز الرغبات الموجودة لدى كل رجل بغض النظر عن مقامه ومكانته، باعتباره حق مشروع لديهم لكن تنقصه اللياقة والأدب لعموميته ووضوحه لكل أجنبي يأتينا مغمض العينين في البداية من بلاده!.. وهذه المطاردة للأسف الشديد كثيراً ما تتطور حسب الموقف من ترصد بالعيون إلى الأذى اللفظي الغزلي غير اللائق، إلى الأذى الجسدي الذي يدخل في دائرة الاعتداء الذي لا تغفل عنه المحاسبة الشرعية.
وبالرغم أن لغة العيون فتنة مرتبطة بجمال الجنس الآخر إلا أن الملاحظ عموماً أن الترصد الفضولي لا يميز بما هو قبيح أو جميل، حيث أصبحت التجاوزات في الأماكن العامة خطراً يهدد حياة الآخرين ويسيء لمكانة بلادنا من حيث التعامل مع المواقف الأخلاقية الطارئة التي تتطلب الحكمة والصبر والاحتواء خاصة عندما يبدأ الفتيل بسلوكيات صبيانية طائشة وتستمر في الاشتعال حتى تمس أمان العموم، وهذا ما نأسف عليه عند مطاردة المراهقين عند بوابات المراكز التجارية خلال إجازة الأسبوع ومنعهم من الدخول خوفاً من معاكستهم للنساء! وتتم مطاردتهم أيضاً عندما يطاردون النساء في الشوارع من باب الفضول وحب إثبات الذات، أو تعبير عن السخط بداخلهم لمساندة النظام والوضع العام للنساء كحماية لهن ووضعهن تحت المجهر الرقابي! لكن من جانب آخر تتم مطاردتهن والقبض عليهن وإيداعهن في المؤسسات الإصلاحية عندما تستجيب إحداهن لتلك المعاكسات لأسباب عديدة، المجال لا يسمح بذكرها الآن! وقد تقوم الجهات الأمنية بملاحقة أولياء أمورهن لاستلامهن والتحفظ عليهن منعاً من إثارة الفتنة المرتبطة بوجودهن الجسدي في كل مكان، بالرغم أن كثيراً من هذه النماذج فتيات مراهقات بحاجة للاحتواء، أو نساء يعانين من اضطرابات الشخصية نتيجة لظروف أسرية صعبة يعشنها وبحاجة لدراسة ظروفهن الأسرية والنفسية! بدلاً من مطاردتهن والتشهير بهن في المراكز الأمنية أو الجهات الإصلاحية، متناسين عظمة أجر الستر على الآخرين لقول رسولنا الكريم «من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة» الترمذي.
وهذا ما نتمنى أن تتم معالجته والحد منه لدى جهاز حساس مثل «هيئة الأمر بالمعروف عن المنكر» والذي يسعى بعض أفراده المكلفين بالميدان لإنهاء بعض المواقف غير المقبولة اجتماعياً أو شرعياً بأسرع الطرق وأخطرها بدون اعتبار للنتائج التي قد يدفعها ثمنها سمعة أسر بل وسمعة وطن!..
فهذه الحقيقة المزعجة يجب عدم السكوت عنها ومعالجتها بما يتوافق ومنهجية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باعتباره تكليفاً إلهيّاً لم يحدد الله سبحانه وتعالى ممارسته تحديداً يعرض الأرواح للخطر، بل تركها للأعراف السائدة من جانب وللذوق العام من الجانب الآخر. إلا أنه اشترط شروطاً لممارسة هذا التكليف أهمها البعد عن القمع والإكراه، لأن أخطر منطقة محظورة يصل إليها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو وجود الإكراه.