الغَمْغَمة عيبٌ من عيوب المنطق العربي, وهي أن تَسْمَعَ الصوتَ, ولا يَبِيْن لك تقطيعُ الحروف, ولا تفهم المراد.
ولا يراد بهذه الفكرة معنى الغمغمة من هذه الناحية؛ فمكانها كتب الصوتيات, وَفِقْه اللغة.
وإنما يراد معنىً قريبٌ منه, ألا وهو الغمغمة في المواقف, والغمغمة في الآراء, فتجد من الناس لا يكون له رأيٌ محدَّدٌ في كثير من الأمور؛ خشية ألا يكون هذا الرأي صواباً, وإنما تجده يعطي إشاراتٍ محتملة لعدة أوجه؛ فإذا تَمَخَّضَ الأمرُ لأيٍّ منها انحاز لذلك الرأي, وصار يعيب بقيةَ الآراء, ويفاخر بأنه قد قال بكذا وكذا, وأشار بكذا وكذا, ولم يشر -كغيره ممن أخطأوا- بكذا وكذا.ولا أعني بذلك أنه يلزم الإنسانَ أن يكونَ له رأي في كل مسألة, وأن يصرح بكل رأي يراه، أو أن يصرح به لكل أحد فهذا غير محمود, وليس محلَّ الحديث ههنا.
وإنما المقصود ألا يكون الإنسان متأرجحاً لا يُعْرَفُ ما يريد.
فإذا رغب في إبداء رأيه في أمر ما, أو الإشارةِ بأية مشورة, أو سئل عن أي سؤال - أن يكون واضحاً صريحاً يبين ما عنده دون لبس أو غموض.
أما أن يُقَلِّب الأمورَ, ويلتمس لنفسه المعاذير؛ كي لا يقال: أخطأ في الرأي, أو المشورة -فليس ذلك بسداد.
وهل يلزم المشير أن يكون رأيه معصوماً دائماً؟ وهل ينافي الكمال والسؤدد أن يخطئ الإنسان في بعض آرائه, أو قراءاته للمواقف؟
لا؛ فأي الرجال المهذب ومن ذا الذي ترضى جميع سجاياه؛ فما هو إلا بشر, وما كان لبشر أن يدعي أنه لم يقل ولن يقول إلا صواباً.
والحاصل أن الغمغمة مَرَضٌ يُفْقِدُ الثقةَ, ويقطع الطريق على الإقْدَامِ نحو الصواب.
والوَضوح علاج ناجع, وسلاحٌ ماضٍ يَتَّسِمُ به الرجال الواثقون من أنفسهم, ونزاهتهم.
* جامعة القصيم