إن العقل البشري لو تفاعل مع الحياة بصورة حضارية تستمد مقوماتها من قيم الأمة لاستطاع التكيف وتحقيق طموحاته. فالوطن يمثل لكل إنسان منظومة متكاملة لأنه وُلد ونَشأ وتَعلَّم على أرضه وسُخرت له كل الأشياء التي تحقق له الاستقرار النفسي والأمني وإشباع حاجاته الفسيولوجية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والصحية والسياسية، في ظل هذه الأجواء يُفترض أن يتفاعل مع هذه الجوانب والتي غالباً تكون إيجابية، لأنه أصبح عنصراً هاماً في ترسيخ هذه المعطيات واستمراريتها لأجيال قادمة. والمجتمع المسلم يختلف عن المجتمعات الأخرى لأنه ينظر إلى الانتماء ليس من خلال قومي ووطني فقط، لأن تعامل المسلم يفرض عليه أن يرتكز الانتماء على قيم الإسلام، ويأخذ الانتماء بعداً أكثر إذا كانت الدولة مرتبطة بهذه القيم، فمثلاً المملكة العربية السعودية كل تشريعاتها وقوانينها مأخوذة من كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم (وعلمها) يرفرف بكلمة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله). فالمواطن في هذا البلد أصبح انتماءه له خصوصية يتطلب منه أن تكون شخصيته تستمد توجهاتها وتطلعاتها منها، فكل تصرف عشوائي وسلبي ينسب إلى الإسلام قبل المملكة العربية السعودية لأنها تحكم بشريعة الإسلام. وليس الأمر يتعلق في الجوانب السلوكية فقط بل الجوانب الأخرى الفكرية والاجتماعية، فمظاهر الانتماء الحقيقي متى نجدها في أبها صورها عندما يكون المواطن خارج بلده ملتزماً بأنظمة البلد التي سافر إليها مهما تكون الظروف، متحلياً بآداب الدين الحنيف، باشاً صادقاً يعطي صورة جميلة عن بلده وإنجازاتها في المواقف التي تفرض نفسها، متابعاً للصحف والكتب بالذات التي تسيء للمملكة ويتعامل معها حسب ما تقتضيه الظروف، فإذا كان صاحب قلم ولديه قناعة أن هذه الكتابات هي دسائس ملفقة بإمكانه الرد عليها بأسلوب حضاري بعيداً عن الإساءة والتجريح، وإذا كان يجهل حقائق هذه الكتابات بإمكانه الرفع للجهات المسؤولة المخولة في التعامل مع هذه الكتابات حتى يتسنى لها دحضها وتكذيبها. كذلك من الأمور التي تعزز الانتماء الوطني حضور المنتديات الفكرية والأمسيات الأدبية والمشاركة في مداخلاتها وتصحيح المفاهيم الخاطئة والمعلومات المغلوطة إذا كان المناخ مناسباً وبعيداً عن الحساسية. أيضاً لا يمنع أن يصطحب الذي يريد أن يعزز الانتماء في درجة عالية بعض الأشرطة والكتب الإعلامية التي تتحدث عن المملكة ودورها الريادي والحضاري. وخلاصة القول أن صور الانتماء للوطن عديدة باستطاعة كل مواطن أن يرسمها بالطريقة التي تناسب قدراته وإمكاناته العلمية والثقافية.
مكتب التربية العربي لدول الخليج