تبدي جمعية حقوق الإنسان السعودية اهتماماً بالغاً بقضايا «العضل» أو الحرمان من الزواج، ويحدد النظام السجن للأب لمدة عام إذا ثبت ذلك، وتم حصر مفهوم العضل شرعياً في قضايا حرمان المرأة من حقوقها، وذلك لقوله عزَ وجل {وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} (19) سورة النساء
لكن قد يدخل في رؤية الجمود أن تجعل من المبادئ العظيمة في الإسلام مفهوماً شرعياً ضيقاً، مثل تحديد مفهوم العضل في حرمان المرأة لحقوقها، ولا شك أن ذلك يدخل في عالم الجناية التي تستحق العقاب الشديد، وقد أحسن النظام في المملكة في تحديد عقوبة لمن يستغل سلطته الأبوية لحرمان ابنته من حقوقها الشرعية..
لكن مفهوم العضل يتجاوز حرمان المرأة من حق الزواج، لأنه يعني التسلط كما تقدمه القوانين الحديثة، وقد روي عن عمر، رضي الله عنه، أَنه قال: (أَعْضَلَ بي أَهْلُ الكوفة، ما يَرْضَوْن بأَمير ولا يرضاهم أَمير..)، وقيل في لسان العرب اعْضَأََلَّت الشجرةُ: كَثُرت أَغْصانُها واشْتدَّ الْتِفافُها، وقد تصبح آليات التسلط مثل الشجرة التي كثرت أغصانها، وينتج عن ذلك ضرر بالغ وظلم كثير
وإذا كان الأب يمثل السلطة في علم النفس الحديث، فالعضل يعني أيضاً استغلال السلطة من أجل حرمان حقوق المواطنين من العمال والموظفين في المؤسسات العامة والخاصة. والجدير بالذكر أن التسلط والعنف والإيذاء الشخصي المتعمد يعد جريمة وجنايةً في أنظمة العمل الدولية، وأصدرت القوانين حديثة لحماية المتضررين من التعسف الإداري وتعويضهم ومعاقبة المتسلط.
حسب إطلاعي ما زال مفهوم التسلط الإداري قاصراً في إصدارات جمعية حقوق الإنسان السعودية، كذلك تفتقر كثير من المؤسسات العامة والخاصة إلى القوانين التي تحمي موظفيها من جنايات الإيذاء الشخصي والتشهير وإساءة السمعة، وقد يكون عند بعضها قوانين تحدد عقوبات المتسلطين بأشد العقوبات لكنها لا تطبق أحكامها، وتكتفي بها مثل لوحة جمالية على صفحات قوانين المؤسسة..
على جمعية حقوق الإنسان أن تفتح أبوابها ونوافذها لاستقبال قضايا التسلط وإساءة السمعة والقذف في مجالات العمل، وأكاد أجزم أنها ستفتح آفاقاً جديدة في ثقافة العمل وحقوق الإنسان في المملكة..، إذ لا يمكن لأي إدارة أو مجتمع أو مؤسسة أن تنفذ إلى سماء الإبداع بدون تطبيق القوانين الصارمة ضد التسلط والإيذاء والقذف الشخصي..، ونطالب جمعية حقوق الإنسان أن تتجاوز مراقبة أساليب التسلط إلى الدعوة إلى تقديم أولئك الذين يهضمون حقوق الموظفين والعمال إلى القضاء..، فالشرع الإسلامي من خلال مبادئه العظيمة يدعو لتحقيق العدالة واستيفاء الحقوق والتضييق على ممارسات التسلط..
أيضاً تدخل أحادية العقل السياسي في صلب ثقافة التسلط، ويظهر الذكاء السياسي في مدى اهتمامه بتطوير أنظمة المراقبة المحايدة من أجل أن لا تتورط أجهزة الدولة في قضايا التسلط والظلم، على أن يتم فحص أجهزة الدولة دورياً ثم تخليصها من المتسلطين الذين يتجاوزون الأنظمة داخل الغرف المغلقة، وذلك لأن ذاكرة الإنسان تتميز بقدرات هائلة في الاحتفاظ بالذكريات المؤلمة، والتي تتحول بقدرة خارقة إلى طغيان غير طبيعي لسلوك الانتقام والثأر، وفي ذلك آثار سلبية على حدود لها على أمن المجتمعات..
تساهم حماية المتسلطين في انتشار الطغيان والظلم وثقافة الإيذاء للآخرين، وإذا كان الإسلام شدد على حرمة العضل أو التسلط على حقوق المرأة، فإن الله عز وجل أيضاً حرم الظلم على نفسه في قوله: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)، والظلم من طبيعة النفوس، وإذا ترك المجتمع يظلم بعضه بعضاً ينحرف عن ميزان الإنصاف أو قول الحق، ويصبح مصدراً خصباً لإنتاج الجهالة والانتقام، لذلك دائماً ما أعتقد أن الإدارة الناجحة، سواء كانت لمؤسسة أو مجتمع، هي تلك التي تبحث في التفاصيل عن أساليب التسلط داخل مؤسساتها ثم تقطع دابرها من الجذور، وذلك عبرة للآخرين وإنصافاً لثقافة العدالة..