تفاعلي مع موظفي بند الأجور وقضيتهم التي نشروها أمام الملأ زاد من حجم تعاطفي مع قضيتهم الشائكة التي لا تشوب قناعتهم شائبة بعدالتها وأحقيتهم التي لا يقبلون أن يجادلهم فيها أحد، وذلك بالاعتراف بهم موظفين رسميين على الأقل من باب المساواة مع زملائهم الذين تم تثبيتهم بموجب الأمر الملكي الكريم عام 1426هـ، وهو الأمر الحكيم المطرز بإنسانية قائد الأمة وكرمه وعطائه اللامحدود لأبناء شعبه والمؤسَّس على رؤية بعيدة النظر هدفت إلى تحقيق الأمان الوظيفي للموظفين المعينين على بند الأجور ونقلهم إلى وضع وظيفي أمثل من النواحي المادية والمعنوية والمستقبلية، وبمقتضاه تم ترسيم وتثبيت آلاف الموظفين على مراتب وظيفية مرموقة ضمن وظائف السلم العام لموظفي الدولة.
أدرك أن الحل الجذري لن يتحقق فقط بتزايد موجات التعاطف معهم من الآخرين وكتابة المقالات والمدونات والقصائد ورفع «المعاريض» لأصحاب الشأن وإنشاء أصحاب القضية للمواقع الإلكترونية وقيادة الحملات الهادفة عبر «الفيس بوك» وإضافة الآلاف من المتعاطفين. كل ما ذكرتُ مهم في شرح القضية والإعلام عنها، لكن الأهم هو إصغاء المسؤولين لأصحاب القضية وتفهمهم الكامل لمطالب موظفي البند بالترسيم أسوة بمن سبقهم من زملائهم، الذين يتساوون معهم في المؤهلات والخبرات ويقاربونهم في القدرات والمهارات.
بند الأجور، وهو ما أسميته في مقالة سابقة ببند الفقر، إشارة إلى ضعف مرتباته التي يقع أغلبها تحت خط الفقر حسب المعايير المحلية والعالمية لا يحظى بالاهتمام الكافي من المسؤولين، ولا يتمتع موظفوه بالحقوق التي ينعم بها الموظفون الرسميون مثل الإجازات والدورات والترقيات وخارج الدوام والانتدابات والتقاعد ومكافأة نهاية الخدمة ناهيك عن الرواتب الضعيفة، وهي رواتب لا تكفي مواطناً مثقلاً بكثرة المصاريف قد يقنع بها الوافد؛ كونه لا يجابه ظروفاً اجتماعية تقحمه رغماً عنه في تحمل تكاليف مادية لا يقوى عليها، أما المواطن الذي يعيش في مجتمع باذخ وبين شرائح اجتماعية غنية تتقاطع معه في كثير من أموره الحياتية فلا أعتقد أنها ستسد رمقه بل ستقوده تلك الأعباء الاجتماعية إلى أبواب البنوك وتحمله الديون الثقيلة التي ستجثم على صدره طيلة حياته؛ فأمامه زواج وبناء أسرة وامتلاك أو استئجار بضعة أمتار من الأرض يعيش فيها، وربما يصرف على أسرة كبيرة. وهو راتب لا يكافئ ساعات الدوام الطويلة والوقت الذي يقتطعه من عمره والمهام التي يؤديها وقيمة البنزين الذي يدفعه إن كان يملك سيارة أو إيجارات المواصلات التي يتكبدها كل يوم ذهاباً وإياباً.
استمرار هذه القضية معلقة دون حل وتداولها في المواقع الإلكترونية يبثان انطباعات غير لائقة عن إشكاليات الموظف السعودي ومستوى راتبه؛ فلا أحد يصدق ممن هم خارج المملكة أن مرتب الموظف السعودي قد يصل إلى هذا المستوى المتدني.
البيان الصحفي لمعالي وزير الخدمة المدنية في 19-2-1432، الذي وضح فيه أن الوزارة قد أنهت علاقتها بالموضوع ورفعت التوصيات لسمو رئيس ديوان مجلس الوزراء، عزّز في نفوس موظفي البند الأمل بترسيمهم، وهم بانتظار مكرمة ملك الإنسانية الذي يأتي رفاه المواطن في قمة أولوياته.
موظفو البند يناشدون قائد المسيرة تحسين أوضاعهم الوظيفية والمادية ومساواتهم بزملائهم. سألني أحد موظفي البند عن توقعاتي وهل هناك أمل بالترسيم؟ أجبته بنعم؛ فالأمل لا يموت لأنكم في مملكة الإنسانية.