حين يعود الأب لبيته تخفق القلوب طرباً وفرحاً..
تنتقي له أجمل الزهور تعبق في طريقه....
وتشعل له أبهج الشموع تتراقص أنوارها في مداها..
وترتدي أزهى الألوان فرحة به..
لا تسعه الأرض فتحمله القلوب..
ولا تكفي له الأكف فتستلمه المشاعر...
حين يغيب الأب عن داره تصمت كل تلك المشاعر.. تترقبه...
فكيف إن كان هذا الأب ليس لأسرته الصغيرة.., بل للأكبر,..
والأكبر, تمتد بعرض الوطن وطوله، في مدى جهاته الأربع..
ثم تلتم لتصبح في صدرٍ واحدٍ يضج بسعادته؟...
ليس لأن هذا الأب هو الملك, تنتفض الأقلام للتعبير عن فرحة عودته سالماً للوطن..
بل لأن هذا الملك، هو الأب الذي تمنى أن تحمله قدماه في لحظة ألم, ليصافح كل فرد في من أبنائه في زيارة اطمئنان عليه..
ولأنه الذي مر على كل بيت في مدينته الكبيرة، فواسى الفقير فيه, والواهن عظما..،
ولأنه من يهبُّ في لحظة مرض أحدهم، ليعود الصغير منهم في المصحات قبل الكبير, تقديراً لخدمة وطنهم..,
ولأنه من أمسك بخيط البكرة في تغيير اتجاه الراكد في نبع التطور فسيَّره..
ولأنه الذي سأل أبناءه حاجاتهم فوجه بقوة سلطته، وصولجان قراره للبت فيها..، كافأهم بزيادات في دخلهم لثلاث سنوات حين جشع التجار, ورفعوا أسعار السلع، ثم سيَّر هذه الزيادة دون توقف،..
ولأنه ضرب بقوة على المفسدين حين غرق أبناؤه في سيول المدن، ولم يفرق في أمر العقوبة بين عالي المقام منهم ومتواضعه،.
ولأنه أنهض المتردي والمنقض في أبنية الشوارع، والتصريف الصحي.., والمنشآت الصامتة.., فحَمِيَ فيها النشاط.., وعلت على أعمدتها الأنوار،..
ولأنه جعل الحوار ركناً أساساً في علاقات الناس،.. يقولون ما في نفوسهم..، ويتقدمون بما يرون لتداول ما فيه من أفكار ثلل القرار...، وجهات التنفيذ،...
ولأنه جعل الوطن بين أيدي أبنائه بوتقة نشاط وحركة وبذل..، وأتاح للجميع أن يعبر وللجميع أن يشارك دون تردد ولا تراجع,... وأشاع مبدأ حرية التعبير... في مصداقية عالية...
ولأنه يعرف أن التعليم مدار التفوق, وتقدم عجلة المجتمعات، ومحور الوعي والتحضر.., أتاحه منحةً رضيةً لأبنائه،..
ولأنه دفع بالمرأة للصفوف الأولى, لتري وجهها المشرق في محافل، ومنابر, ومقاعد العلم, والبحث, والإنجاز...
ولأنه جعل التنافس مبدأ العطاء، ومدار الاستحقاق.. فتحولت المؤسسات والجامعات، والوزارات، وكل المرافق.., بين كل الأفراد خليات نشاط، وتفوق، وتنافس حيوي..
ولأنه يدعم عز هذا الوطن بالمزية المتفردة لهذا البيت الكبير المتمثلة في إسلاميته بين الدول، ومنهجه الرباني في المجتمع العالمي والدولي.., فتتفرد بها دعامة وقاعدة ودرعاً في كل شأن وطني، بدءاً بالتوسعة في المشاريع الخيرية، وانتهاء بتطبيق القواعد الشرعية في كل شأن من الشئون الداخلية, والعلاقات الخارجية لهذا الوطن, الحامل مسؤولية خدمة بيت الله الحرام على أجمل وأكمل وجه...
هذا الأب حين يمرض، تتداعى له كل الأجساد بالنداء..,
وتتعالى له كل الأصوات بالدعاء..
وهذا الأب حين يعود فإن شلال النور يعود يرتهج في بيته الكبير..
حمداً لله على سلامتك أب الوطن..
حمداً لله على عودتك غانماً بحب أبنائك، مغموراً برضاء الله، مستقراً في القلوب..
مليكنا عبدالله بن عبدالعزيز حفظك الله.. ومتعك بالعافية الدائمة.