لعل من حسن حظ هذه البلاد أن القلاقل والاضطرابات التي تعصف الآن بأغلب الأنظمة العربية من حولنا جاءت في عهد الملك عبدالله، فشعبيته الجارفة، وشخصيته الآسرة، وحب الناس له، وإيمانه بالحوار، كفيلة بامتصاص أي غضب، وتفريغ أي احتقان.. أهم ما يتميز به هذا الملك الإنسان أنه (ملك كل السعوديين)، وليس ملك فئة معينة وعدو أخرى، أو نصير هؤلاء على حساب أولئك؛ فهو الملك الأب، الذي يتعامل مع الجميع بروح الأب القائد الذي لا ينحاز مع أحد على حساب آخر، ولا ينتصر لهذا ليقمع ذاك؛ بل الجميع لديه (سواسية)، حتى وإن اختلف مع رؤاهم، أو مذاهبهم، أو توجهاتهم الفكرية؛ فسعة صدره، وإيمانه بأن الأصل بين الناس هو (الاختلاف) لا الاتفاق: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} جعلته بالفعل ملك كل السعوديين ممارسةً وليس شعاراً؛ فهو كما عودنا طوال سنوات حكمه يؤمن أيماناً عميقاً أن (التعددية) ثراء للوطن والفكر معاً، و(التنوع) إذا ما تمَّ توظيفه التوظيف المناسب فلا بد أن يعود على الوطن والمواطن بمزيد من تقبل الآخر رغم الاختلاف؛ وأن مهمته كملك ولاه الله أمور الناس أن يجعل من هذا الاختلاف عنصر (إضافة) لا سبب إقصاء وإبعاد وتهميش أو (خصومة)؛ بهذه الروح (العصرية) والمتمدنة كان زمنه زمن (الحوار)؛ فانطلقت في عهده مؤتمرات الحوار، واجتمع المواطنون تحت سقف واحد يتبادلون وجهات نظرهم، ويتداولون آراءهم وقضاياهم رغم الاختلاف، وتقارب الناس، وشعروا أن أرض الوطن تتسع للجميع، وأن سماءها تظلهم -أيضاً- جميعاً، حتى وإن اختلفت وجهات نظرهم ومذاهبهم وتوجهاتهم.
ومن يسجل سيرته العطرة في عهده الميمون يجد أنه جعل من (الحوار) ركيزة من ركائز التواصل بين السعوديين بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم، منذ اليوم الذي تولى فيه مسؤولياته؛ فقد أدرك بحسه السياسي أن تفريغ الاحتقانات، وتضييق هوة الخلاف بين أبناء الوطن الواحد، لا يمكن أن يتحقق إلا بالحوار؛ وحينما يفقد المجتمع الحوار بين مكوناته يفقد التعايش بالضرورة، ويصبح التباغض والكراهية في المحصلة هي البديل. لذلك فقد كانت الحرية التي عرفتها الصحافة وبقية وسائل الإعلام في عصره الميمون نابعة عن رؤيا متأصلة في نهجه ومنهجه مؤداها أن الحوار بين فئات المجتمع لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال أن تطرح الرؤى بصراحة وشفافية ووضوح؛ فلا وصاية لأحد على أحد، وليس في مقدور هذا أن يصادر حق ذاك في طرح وجهة نظره والدفاع عنها كائناً من يكون.
ومن يتلفت حولنا، يجد أن غياب (الحوار)، وبالتالي غياب الحرية الصحفية، كان من أهم العوامل التي حركت الاضطرابات، وبعثت الفتن من عقالها في كثير من المجتمعات؛ فلا يمكن أن يعيش إنسان اليوم دونما حرية، ولا يمكن أن يتحقق التعايش بين مكونات المجتمع المختلفة والحوار غائب أو مغيَّب.
إننا ونحن نحتفل جميعاً بعودة الملك عبدالله سليماً معافى، فنحن نحتفل به بعد أن مَنَّ الله عليه بالصحة والسلامة أولاً، ونبرهن من خلال هذا الاحتفال على لحمتنا وتكاتفنا تحت حكمه ثانياً؛ خاصة وأنَّ هذه العودة الميمونة صاحبها من القرارات التنموية، ما جعل، وسيجعل، كثيراً من مشكلات المواطن من مخلفات الماضي؛ وكما يقولون: (من طوّل الغيبات جاب الغنايم). لا عدمناك أيها الأب القائد.
إلى اللقاء.
