الأنظمة الجمهورية التي سقطت في تونس ثم في مصر وتلوح بوادر سقوطها في ليبيا هي أنظمة «جمهورية الرجل الواحد» أو تجاوزا جمهورية «الحزب الواحد». لم تسقط جمهوريات دستورية عريقة توفر لشعوبها ما التزمت به من حريات وحقوق وانتخابات نزيهة وتنمية وتطوير ورفاه وعيش كريم فالجمهوريات الدستورية تأتي كنموذج مثالي وعملي للجمهورية حاولت دول العالم العربي محاكاته لكنها لم تفلح؛ لأنها لاتؤمن نظريا ولا تطبق عمليا نظريات تعدد الأحزاب والانتخابات الحرة والمشاركة السياسية وحرية الأحزاب؛ أي أنها حاولت استنساخ جسد الجمهورية الغربي دون روحها الحية فلم تظفر سوى بهياكل مكتوبة على الورق مع وقف التنفيذ فلم نر لها أثراً على أرض الواقع فلا حرية في الرأي ولا انتخابات نزيهة ولا حقوق في المشاركة والتعددية الحزبية الفعلية مع انعدام الرقابة على الأموال وغياب أجهزة المحاسبة، ومن أين لك هذا؟ فمن الطبيعي أن تسقط مثل هذه الجمهوريات الورقية الهشة عند تعرضها لأية هزة.
الثورة الشعبية السلمية المليونية في مصر أسقطت الرئيس دون أن ترفع شعارات تخدم أيديولوجيا معينة طالبت فقط بتنحي الرئيس الذي لم يحقق لشعبه ما يطمح إليه وسط تكهرب الأجواء احتجاجا على كبت الحريات والاعتقالات وانتشار الفساد والبطالة والفقر في دولة لا تنقصها الموارد المالية والبشرية فهي الدولة الأكثر سكانا في المنطقة العربية والأولى سياحيا في العالم العربي، وفي الصدارة عالميا في إنتاج القطن «الذهب الأبيض» والغنية بالموارد الطبيعية والمتميزة بالموقع الجغرافي الاستراتيجي «ملتقى ثلاث قارات». خرجت مصر بعد سقوط الملكية في ثورة يوليو وهي في وضع اقتصادي جيد واستقرار سياسي وبنية تحتية لازالت مصر تعيش عليها إلى اليوم، فماذا حققت الثورة وجمهوريتها الورقية بعد حوالي ستين عاما من قيامها وتعاقب أكثر من رئيس على البلاد؟
أثبتت ثورة شباب مصر فشل النموذج الجمهوري الحالي في العالم العربي وهو نموذج ممسوخ لايحمل من الجمهورية إلا اسمها، لم يحقق ما حققته الأنظمة الملكية في الدول العربية الغنية والتي اهتمت بالتنمية وضمنت لشعوبها في المعدل العام الحد المقبول من الرخاء والاستقرار.
المستقبل يخبئ الكثير؛ فما يحدث حاليا في ليبيا شاهد على أن تلك الأنظمة والتي ظلت توهم شعوبها بشعارات براقة وزائفة لم تفلح في تنمية أوطانها وتوفير أدنى مقومات التنمية. النظام الليبي أغلق كل المنافذ وقطع الاتصالات وعزل ليبيا عن العالم وتفرغ لقمع الشعب والتنكيل به وسفك الدماء وإزهاق أرواح المئات وهو النظام الذي ظل لأربعين عاما لم يفلح خلالها إلا في إطلاق الشعارات وتحويل مقدرات البلاد وثرواتها الطائلة لتحقيق طموحات مجنونة، نظام متغطرس ظل طيلة عهده من أكبر العقبات التي تحول دون الوصول لوفاق عربي.
عندما تنحرف الجمهورية عن مسارها الذي تقوم عليه بوصفها حكم الشعب لا الفرد لتنقلب إلى العكس تماما فتصبح حكم الفرد فإنها تتحول من الديمقراطية إلى الاستبداد والقمع وإهدار كرامة الإنسان حفاظا على سلطة الفرد الواحد.
بدأت الجمهوريات الورقية بالتداعي بداية من تونس ولن تكون مصر الأخيرة فنيران الغضب اندلعت في أكثر من دولة جمهورية وفي الطريق أنظمة جمهورية أخرى من نظم القمع البوليسي.