كنت في وجل حينما قرأت قصة المعتمد بن عباد وما عاشه من عز وترف وطغيان وتجبر حيث اتجهت مطامعه إلى غزو جيرانه فشتت وفرَّقَ، وحين تمكن منه ابن تاشفين صفَّده بالأغلال على مشهد من أمته وانتزعه من قصره بالأندلس وسجنه، وقتل ابنيه، فذل بعد عز، وتحولت بناته وزوجته بائعات ملابس في الطرقات بعد أن كانت تلك الزوجة تخوض بالمسك والورد لتستمتع يوم العيد.
وكنت أترقب دومًا حصول ذلك الحادث المؤلم لأحد من الرؤساء أو الوزراء المستبدين، برغم أنني لا أحب الذل لأي مسلم إلا من طغى وتكبر. ورأيت فيمن رأيت إبان العصر الحديث صدام حسين وكيف كانت نهايته بعد حياة الرفاهية والاستبداد إلى شبه موت في حفرة تحت الأرض، وما لبث أن بقي في السجن بضع سنين يغسل ملابسه بنفسه ويجتر ذكرياته بعد أن فقد ولديه وتمزقت أسرته. ثم توالت الأحداث بسرعة غريبة، حيث دارت الدوائر على الرئيس المصري حسني مبارك فانتقل من فسحة القصور إلى سرير في مستشفى السجن، وكل ذلك تم في مدة شهرين فسبحان من يغير الأمور ويقلب الدهور.
استوقفتني السرعة في توالي الأحداث وكأنها حلم! فهل توقع الرئيس نهايته أو توقعت عائلته مآلها وسمعتها؟ وهل كان هذا الرئيس وغيره ضحايا أشخاص زينوا لهم الباطل، أم لم يحسبوها بطريقة الضمير والديَّن باعتبار أنه (كما تدين تدان)؟
ولئن كانت قد غابت عن الرؤساء الرؤية الثاقبة والخطط السليمة بالتطلع والطموح إلى وضع بلادهم في مصاف الدول المتقدمة بفضل ما تملكه من ثروات بشرية ومادية من أراض صالحة للزراعة وموارد اقتصادية متعددة؛ فإن ذلك لا يعد مبررًا للاستبداد والطغيان والإخفاق في توزيع الثروات بطريقة عادلة بين المواطنين، والسعي إلى ما يسمى بمزاوجة المال مع السلطة، وما علموا أن دمار الأمم سلك هذا الاتجاه وتقريب المنتفعين والمتحذلقين وصرف الأكفاء، وسوء تقييم المخلصين.
كما أن من أسباب السقوط المريع للرؤساء تفشي الفساد وطغيانه على النفوس، حيث استشرى حب المال والمادة والتكالب عليها فتوارت النزاهة خلف الرشوة والواسطات والمحسوبيات. فكيف تنجز الأعمال وكيف ينال كل مواطن حقه في ظل هذه الفوضى والبنى التحتية المتهالكة؟
ولئن نادى أولئك بالإصلاحات الفاترة والوعود المسكنة فإنهم نسفوها من خلال الخداع في الانتخابات والتزوير في النتائج والدعايات الكاذبة التي لم تعد تنطلي على الشعوب الواعية مما نزع الثقة عنهم وتزايدت الشكوك حولهم.
ومن أشد الأمور فتكًا وقسوة؛ الظلم وسلب الحقوق وغياب الضمير وضعف الإيمان وإبعاد الشعب عن المجالس، وعدم تفقد أحوالهم وتدفئتهم بالقول اللين وبث الثقة بأنفسهم وتلمس احتياجاتهم بدلاً من البطش بهم والاعتداء عليهم وترويع المسنين والأطفال ومواجهة الغليان والاحتقان بالقوة والدحر والقمع.
والحق أن هذه الأحداث تتطلب من الحكام والشعوب التوقف عندها والتمعن بها جيدًا واتخاذها عبرة، وتجنب الظلم بكافة أشكاله وعدم الاستهانة به مهما كان صغيرًا أو ضئيلاً لأن عاقبته وخيمة (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) والاستنصار بالله وحده لأن من نصر الله أخاف منه الأعداء ونصره وقت ضعفه، وسلوك طريق العدالة فنتائجها واضحة لسالكها ومضيئة لصاحبها ومريحة للضمير ومبهجة للقلب.
ونحمد الله أن جعل من دستورنا طريقًا لحكامنا، ونسأله أن يهيئ لهم البطانة الصالحة التي تنقل لهم مطالب شعبهم، واحتياجات مواطنيهم. ونرجوه أن يديم علينا الأمن ويبقي راية التوحيد خفاقة في النفوس.