من أصعب الأسئلة التي تطرح نفسها اليوم على متخذي القرار والساسة والإستراتيجيين والمفكرين.. أين يقف تعلمينا العالي في خارطة التعليم الجامعي العالمي؟، والمنطلق والأساس لهذا التساؤل المهم «أن المنافسة بين الخريجين والباحثين والمبتكرين والمفكرين والخبراء والمختصين صارت في عصر العولمة الصعب لا حدود لها، والمقارنة ليست كما كانت في القرن الماضي قابعة في إطارها الحدودي الضيق، وصاحب العمل سواء القطاع الخاص أو الأهلي أو حتى الحكومي، يبحث عن جودة عالية ومهارة متميزة وبأقل تكلفة ممكنة، وسوق الموارد البشرية صار اليوم سوق منافسة كاملة»، وينبثق عن هذا السؤال الكبير أسئلة فرعية عديدة لعل من أهمها:
ما هي أسس المقارنة ومنطلقاتها بين الجامعات المحلية والعالمية؟
كيف لي أن أعرف موقعي في سياق التنافس العالمي خاصة في ظل اختلاف الرؤية والرسالة والأهداف من جامعة لأخرى، حسب المعطيات المحلية واختلاف البيئات والثقافات والخصوصيات التي يشدد عليها البعض منا بشكل كبير؟
ما هو الحد الأدنى من الجودة المطلوبة حتى -على الأقل- أستطيع الدخول في دائرة الاعتراف بوجودي في سياق التنافس المتسارع اليوم، وهل يكفي الحصول على الاعتماد الأكاديمي لضمان دخول سوق المنافسة الحقيقية بين الجامعات العالمية، وقبل هذا وذاك هل وجود الاعتماد الأكاديمي خاصة المؤسسي منه ضرورياً لولوج هذه الدائرة؟
أين موقع العلوم الإنسانية ذات البعد المحلي المهم في سياق التغيير المطلوب، وهل يمكن إدخالها في دائرة الاعتراف الدولي وإعطاؤها بعداً جديداً يضيف صبغة تميز وتفرد في تعليمنا العالي؟
ماذا تحقق لنا منذ التأسيس وحتى اليوم، وهل نحن بالفعل نسير في الطريق الصحيح لوجودنا الفعلي في دائرة التأثير الحقيقي سواء داخلياً أو خارجياً؟
هل ما ينشر من أخبار وما يذاع من برامج وما يقال عن اختراعات وابتكارات وتميزات تحققت في غضون السنوات الماضية هو بالفعل يأتي في سياق التغيير الفعلي الشامل والمتكامل الذي تحقق في جامعاتنا العريقة أو أنه مجرد حالات فردية ضخمة بالشكل الذي يوهم المواطن والمتابع والراصد بأننا قطعنا أشواطاً جيدة في مشوارنا التنافسي في سياق الجودة والتأثير العالمي المطلوب؟
هل الإنفاق المالي يصرف على وجوه البناء والتجديد والتطوير والتغيير الجوهري أو أن جزء منه يذهب للكماليات أو حتى التحسينيات التي لا تخدم العملية التعليمية أو البحثية أو خدمة المجتمع بشكل صحيح، وإنما هي مجرد تسويق إعلامي للأشخاص لا للمؤسسات التعليمية الجامعية التي يشرفون بالانتماء إليها؟
لماذا ما زال هناك عدد من أعضاء هيئة التدريس خارج سياق التفاعل مع مسار جامعاتنا الجديد، بل إن هناك البعض ممن ينقمون على ما هو حادث ويصمونه بأنه مجرد فقاعات إعلامية وجعجعة بلا طحن، وغناء خارج السرب وإدعاء للتطوير لا وجود له على الحقيقة، وإهدار للمال العام، وسباق في إطار الذوات لا محل له من الإعراب الوطني ولا يحقق المصلحة المبتغاة، فالمناهج لم تتغير، والخريج لا يختلف عن خريج الماضي بل ربما يكون أقل إعداداً وأضعف تنشئة وبناء، والبحوث العلمية ما زالت في دائرة الاهتمامات الشخصية ولا تخدم الوطن والخطط الإستراتيجية المعروفة؟
ما هو نصيب الجهات المعنية بالتطوير والجودة من ميزانيات جامعاتنا السعودية حتى يمكن لها أن تعد البرامج اللازمة لإيجاد القاعدة الصحيحة للانطلاقة المؤثرة والقوية داخل أسوارالجامعة، وفي إطار مجتمعاتها المحلي، ومن أجل أن يتسنى لها رسم استراتيجياتها التطويرية وتدريب جميع المعنيين وتوعيتهم بأهمية وصعوبة المرحلة التي تعيشها جامعتهم ومجتماعاتهم، ووجوب الاستعداد الحقيقي للتعامل معها بكل حذق ومهارة وكفاءة علمية ومعرفية واسعة؟
هل فضاءات التطوير المعروفة (الفضاء المعرفي، والفضاء العلمي، والفضاء الأنطولوجي) متوفرة بشكل متكامل وشامل لطلابنا في جامعاتنا السعودية قديمها وحديثها؟
بصدق أسئلة عديدة تبحث عن إجابة واضحة وتطرح نفسها على طاولة أصحاب المعالي مديري الجامعات ومن قبل تطرق باب مكتب معالي الوزير ومعالي نائبه، وأصحاب السعادة وكلاء الوزارة المعنيين بهذا الجانب على وجه الخصوص، وأعتقد أن مناسبة انعقاد معرض ومؤتمر التعليم العالي الدولي الثاني هذا الأسبوع فرصة سانحة لمن أراد أن يبحث عن الجواب بين جنبات وفي زوايا هذا المعرض العالمي المهم، وغالباً سيجد الجاد القادر على قراءة ما خلف الظواهر على الأقل الخيط الرفيع الذي قد يوصله إلى شيء من الحقيقة، وقد أعرض لما قد أتوصل إليه شخصياً في مقال الثلاثاء القادم بإذن الله وإلى لقاء والسلام.