كما قيل (الكلمات غدارات محشوة)، وما من كاتب حين يكتب إلا ويضع أمامه هدفاً، ومن كاتب لآخر تختلف الإملاءات، والطباع هي التي تقود أحياناً، ويبقى مستوى تفكير الإنسان، وثقافته، وأبعاد رؤيته، وعلاقاته بالمجتمع وشؤنه مصدراً عظيماً من مصادر الحفز، والإلهام، والدافعية، بل إن بعض النزوات لبعض الكتّاب تجدها في مرحلة عمرية معينة، ولا تجدها في مراحل أخرى. من هنا حللت سمات وصفات الشخصيات من واقع كتاباتها. ومن يتأمل بعض (كتب السير الذاتية) التي كتبها صاحبها أكثر من مرة يلحظ بجلاء تقلبات الفكر والمزاج، والاعتدال والشطط.. وثمة بعدان أساسيان من الأبعاد التي يضعها الكاتب أمامه:
البعد الأول: ماذا يريد المجتمع؟ وما الفئة الاجتماعية التي ينغمس الكاتب في شئونها وشجونها؟.. يقول (همنجواي) (كلما ازداد الكاتب انغماساً في عمله، بعيداً عن أصدقائه.. فإن كتابته تضعه أكثر عزلة عن العالم ..). وقد ترتفع أحياناً ذائقة الكاتب عن المساس بكل ما يطرح أو يثار في المنتديات العامة والخاصة، ويعد النقاش فيها من الفضول المستولي على طبائع البشر، ثم إن موضوعاتها غير مرتبطة بزمان أو مكان معين، وقد يكون سمت الوسيلة الإعلامية التي يتعامل معها الكاتب هي التي تقوده من حيث الموضوع، واللغة والأسلوب.
البعد الثاني: موقف الكاتب من نفسه، ومن المجتمع، ومن الحياة. الفيلسوف (بومجارتن) يقول (لا توجد وظيفة أكثر نبلاً من الكاتب... إنه الكائن الذي يقود. يعمل بريشته..). قد تكتب، لنيل الشهرة، حتى ولو كان على حساب مصداقية الكلمة، لكنّ هذه الشهرة عبارة عن وهجٍ زائف سينطفئ يوماً ما؟، قد يكتب الإنسان بدافع الإساءة والانتقام، لكن عاقب الظلم والعدالة الإلهية ستقف بالمرصاد (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
احتياجات الإنسان، ووسائل معيشته، الاحتقان الاجتماعي تجاه نظام من الأنظمة، التسلط، أوالاستئثار من المسؤول، أو إساءة استخدام النفوذ، أو التساهل في القيم الأخلاقية من الفرد هي المحركة للوجدان، وهي التي تلاقي رواجاً كبيراً، وطلباً متزايداً من القراء، وتلح على الكاتب تناولها كل بأسلوبه.
لم ينعقد ملتقى، أو منتدى من المنتديات الإعلامية إلا ومصطلح (الصراحة، والمصداقية، والشفافية، أمانة الكلمة) تدور في قاموس هؤلاء. أما نصيبها من الواقع فأشبه ما يكون بالشعار. أن تحظى ككاتب بمتابعة وتفاعل جمهور أكثر، فإنه لا يعني النجاح المطلق، بل الواجب النظر في الشريحة المتفاعلة معك وأغلبيتهم، ممن يتشكل؟ هل هم دهماء المجتمع؟ أيّ القاعدة الشعبية، والأيدي العاملة البسيطة؟ أم أنها الطبقة المثقفة الواعية الواعدة، وفرق كبير بين متابع لما يكتب، وبين إنسان يتفاعل، ويظل الموضوع والقضية هاجسه؟ إذن قيّم نفسك. لمن تكتب؟ وكيف تكتب؟ ومتى تكتب؟.