أذكر قبل أكثر من ثلاثين عاماً كان يأتي إلى مناطق الظل في بلادنا الغالية ممثلون للكليات العسكرية وعدد من الجامعات التي كانت تعاني من مشكلة الإقبال خاصة في بعض التخصصات غير المرغوبة من قبل الطلاب ومعهم هدايا متنوعة تحمل شعار الجهة المسوقة لنفسها، فيلتقون بطلاب المرحلة الثانوية ويتحدثون معهم عن المميزات والمكتسبات ثم يقدمون هداياهم بكل أريحية وحب، كما أن جامعة البترول والمعادن التي عرفت باستقطابها المدروس منذ ذلك الزمن كانت تراسل المبرزين المميزين في المرحلة الثانوية عن طريق بعث رسائل شخصية إلى مدارسهم تعرفهم بالجامعة وترغبهم الالتحاق بها، وما هي إلا سنوات محدودة حتى افتتحت الكليات المتوسطة في هذه المناطق فأقبل عليها الغالبية العظمى من خريجي الثانوية العامة مع أنها لم تكن تمنح سوى درجة الدبلوم، والسبب في هذا الإقبال عدم مقدرة البعض من المتفوقين السفر خارج مناطقهم التي عاشوا فيها سنوات عمرهم الماضية، وربما قصر نظرهم ومحدودية طموحهم وغياب من يوجههم ويرشدهم ويأخذ بيدهم، ولسهولة الأمر عليهم وصعوبة التواصل مع ذويهم وأهليهم حين سفرهم للرياض مثلاً أو جدة أو حتى الشرقية، ولهذا السبب أو ذاك خسر الوطن قدرات وطاقات وعقليات قبلت بالدون ورضيت بالأقل فهي في الغالب التحقت بوظائف بسيطة بعد الحصول على شهادة الثانوية العامة أو أنها نالت درجة الدبلوم التدريسي فانخرط من عرف عنه التفوق والذكاء في سلك التربية والتعليم وما زال على ما كان عليه حتى قارب التقاعد اليوم.
أعدت صفحات الماضي هذه، ورحت أقلب التاريخ وأتأمل فيما كان عندما كنت صغيراً لحظة تشرفي بحضور حفل افتتاح المعرض والمؤتمر الدولي الثاني للتعليم العالي صباح يوم الثلاثاء 15-7-1432هـ.
لقد عقدت المقارنة بين الماضي بكل تفاصيله وبين ما أراه حاضراً اليوم أمام عيني في معرض وزارة التعليم العالي الدولي الثاني الذي تشارك فيه أكثر من 34 دولة، تمثلها 371 جامعة ومنظمة دولية، من بينها 65 جامعة مصنفة ضمن أفضل 100 جامعة في العالم بالإضافة إلى 58 جامعة وكلية سعودية منها 24 جامعة حكومية و28 جامعة وكلية أهلية و6 مؤسسات تعليمية، بصدق توقفت متأملاً في آليات التسويق والتشويق وكذا الفئة المستهدفة والجهات المسوقة كيف كانت في الماضي وكيف هي اليوم، طال بي التفكير وأنا أرى الجموع من الشباب في مقتبل العمر يتوافدون على أبواب المعرض ويسألون عن أجنحة جامعات بعينها، يقلبون البرشورات والنشرات بحثاً عن ضالتهم التي يعرفون عنها عن طريق النت الشيء الكثير، يتشاورن فيما بينهم، يعقدون المقارنات السريعة ويحاولون سبر أغوار المستقبل الذي يتوقعونه بعد عودتهم من رحلتهم الدراسية المتوقعة.
في هذه اللحظة التي كنت فيها مراقباً لكل ما حولي أيقنت أننا ماضون في الطريق الصحيح لبناء إنسان الوطن، فالخوف الذي كان يساورنا من قبل حين يهم الواحد منا للسفر إلى العاصمة الرياض من أجل إكمال دراسته الجامعية قد زال بالكلية وصار الشاب يطلب العلم التخصصي في كل بلاد العالم بكل مهارة واقتدار.
إن هذه القفزة النوعية لم يكن لها أن تكون لولا توفيق الله وعونه ثم وجود قيادة حكيمة تولي شباب الوطن بنين وبنات الجادين في سلوك طريق العلم ونيل شرف التعلم كل رعاية وعناية واهتمام، كما أن احتضان العاصمة الرياض لهذه التظاهرة العلمية العالمية الرائعة لم يتحقق لولا متابعة ومساندة معالي وزير التعليم العالي الأستاذ الدكتور خالد بن محمد العنقري ومعالي نائبه الأستاذ الدكتور علي بن سليمان العطية واللجنة المنظمة التي عملت فأتقنت وبذلت فوفت والمستفيد في النهاية الوطن سواء على مستوى الجامعات والمؤسسات التعليمية المختلفة أو الأفراد الذين يبحثون عن قبول في الجامعات العالمية المعروفة فالكل تحت سقف واحد وفي متناول اليد ولذا نصيحتي للراغبين في المعرفة الباحثين عن المعلومة المتطلعين للمستقبل سرعة التواصل مع هذه الجامعات من خلال أجنحتهم المخصصة في أرض المعارض.
شكراً من الأعماق لمن نظم وبذل وجهز ومن قبل فكر وخطط ودبر ودمت عزيزاً يا وطني. وإلى لقاء والسلام