سجلت الجهات الرسمية المختصة حالات ليست بالقليلة من تقاعس بعض الرجال عن تحديث بياناته في السجل المدني (الأحوال المدنية)، والإبلاغ عن الواقعات المدنية فيما يخصه ومن يعول أو تحت ولايته، ومن ذلك حالات الطلاق التي تحدث دون أن يبادر الزوج بالتوجه للدائرة المختصة وحذف اسم الزوجة من دفتر العائلة، فتبقى معلقة مما يعطل حقوقها المدنية والشرعية، مع أن هناك عقوبات يتم تطبيقها على من يتأخر من المواطنين في اتخاذ هذا الإجراء الذي يدل - إن فعله - أنه إنسان متحضر يقدر المسؤولية ويعرف واجباته المدنية، ويحفظ حقوق الآخرين بمن فيهم زوجته المطلقة، فهي سابقاً ولاحقاً إنسانة لها حقوق يجب أن تحترم، والطلاق لا يعني العداوة والمحاربة وهضم الحقوق، وهذا المعنى هو ما دلت عليه الآية الكريمة 229 من سورة البقرة التي جاء فيها: ?فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ?، وفيها وصفَ الله سبحانه من يتعد هذه الحدود بالظالم، ويمعن البعض في هضم حقوق المرأة وهي في عصمته كعضلها وتعليق حقوقها وإيذائها جسدياً ونفسياً وتحت هذه الوطأة الجائرة ربما طلبت الطلاق فيوغل هو بالإيذاء بأن يطلب استعادة ما قدم من مهر أو هدية، وفي هذا أبشع صور اللؤم والجحود، وللاستيضاح تمعّن وتأمل مدلول الآية الكريمة 19 من سورة النساء، كما قال سبحانه في الآية 21 من ذات السورة: ?وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً?، ومن أولئك من يبالغ فيسلب الزوجة الموظفة مرتبها دون وجه حق أو مبرر، أو يقنعها بالاقتراض له باسمها من البنوك ويوقعها في شراك يصعب الخلاص منها وتبقى أسيرة الذل والهوان منه ومن أصحاب الحقوق هذا إذا لم يطلقها بعد استلام قيمة القرض وقد فعلها كثيرون.
وفي الأغلب فإن مثل هؤلاء يمارسون ألوانًا من السلوك الجاف مع شريكات حياتهم فهم لا يعدونها كذلك فلا يخاطبونها بالكلمة الطيبة اللينة ولا باللمسة الحانية ولا المجاملة الرقيقة، ويتكئ البعض على مدلول الآية الكريمة 228 من سورة البقرة التي تتضمن قوله تعالى ?وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ? إذ يرى كثير من المفسرين أن القصد ندب الرجال وحثهم على إبداء وإسداء الفضل لهن، بفعل فضيلة من فضائل الرجولة لا ينالها أحدهم إلا بالعزم والتسامي، وهو أن يتغاضى عن بعض حقوقه من امرأته، فإذا فعل ذلك فقد بلغ من مكارم الأخلاق منزلة تجعل له درجة على امرأته، فجعلوا هذه الجملة حثاً وندباً للرجال على السمو إلى الفضل، لا خبراً عن فضل قد جعله الله مكتوباً لهم، سواء أحسنوا فيما أمرهم به أم أساؤوا، وقال آخرون بالمعنى الآخر، ولئن كان هذا هو المراد فهل يعني فضل الدرجة للرجال التعالي والتسلط والجور عليهن في كل مسارات حياتهن ومعاشهن وتواصلهن مع أهليهن والحجر عليهن والتضييق في ما أباحه الله لهن لمجرد فرض الرأي بحكم رباط الزوجية الذي هو اسمي رباط بين إنسانين لو يعلمون.