بالأمس قمت بزيارة للفندق الذي يقيم فيه ضيوف الجنادرية لهذا العام للبحث عن أصدقاء قدامى أو زملاء باعد بيني وبينهم الزمان، وما أن دخلت إلى البهو المضاء حتى كنت وجهاً لوجه أمام الصديق الشاعر المصري العربي المبدع د. محمد أبو دومة وما أن لحظني حتى أشرق وجهه النيلي الأسمر بابتسامته النبيلة العذبة التي تعلو دائماً محياه، ثم نهض كرمح عربي مديد أو كنخلة في أعالي الصعيد ثم تعانقنا عناق الأصدقاء بعد قطيعة عفوية من عمر الزمان وبعد السلام والكلام الذي منه من العتاب، أخذت أتفرَّس في وجه أبي دومة وأتفحص في قوامه الرشيق، وأخذت أحمد الله كثيراً أن رأيته على هذا الحال الذي يسر الصديق ويغيظ العدو ولاسيما وأنني أعرف أن صديقي الشاعر قد تعرض ذات جنادرية سابقة إلى أزمة قلبية حادة فأدخل على أثرها إلى المستشفى التخصصي بأمر ملكي خاص أصدره مليكنا المفدى- حفظه الله- وقد أوصى خادم الحرمين وزير الصحة أن يهتم بعلاجه وراحته فأمر الوزير طاقم التمريض بإنفاذ الأمر الملكي السامي والعناية بصحة ضيف البلاد العزيز الدكتور الشاعر محمد أبو دومة، وبالفعل قد أجريت عملية ناجحة له واستعاد عافيته على أحسن ما يكون.
وقد ثمن الشاعر الرقيق هذه اللفتة الملكية غير المستغربة على خادم الحرمين الشريفين، ثم نشر قصيدة رائعة يثني فيها على موقف المليك.
ومحمد أبو دومة لمن لا يعرفه يأتي في طليعة كوكبة شعراء السبعينيات الميلادية وأواخر شعراء ستينيات النكسة، ذلك الجيل الشعري الباسل الذي أعاد إلى الشعب العربي ثقته بنفسه وبجيشه بعد ذلك الانكسار الرهيب بل أدان كثيراً تراخي بل وخيانة بعض الحكام العرب في ذلك الزمن، وبالطبع كان أبو دومة من أبهى وأصلب وأصدق ذلك الجيل الشامخ الجميل وأعني بذلك جيل صلاح عبدالصبور وأمل دنقل ونجيب سرور وفتحي سعيد، أقول: إنني ابتهجت كثيراً حينما رأيت أبا دومة بتمام الصحة وكمال العافية الذي عزا كل ذلك بعد الله إلى عبدالله مليكنا المفدى- حفظه الله- وقال بالحرف الواحد كم أغبطكم على هذا الحاكم العربي النبيل الأصيل، إنه ملك القلوب فعلاً وملك قلبي أيضاً لأنه أعاد له نبضه من جديد.