ليوُبلد فايس Leopold Weiss هو اسم المفكر الإسلامي محمد أسد والذي يُعد من ألمع المفكرين الإسلاميين في تلك الفترة، تأثر بثقافته الغربية بعدما اعتنق الإسلام، له تاريخ حافل ومشوق دوّنه وسطره في بعض كتبه، وخاصة الفترة التي قضاها في الجزيرة العربية والتي امتدت من
1927 - 1932م، والتي يعدها محمد أسد من أحسن سنين حياته.
وقد ذاعت شهرة محمد أسد في الآفاق وخاصة بعد إسلامه، وكتب عنه الكثيرون، وعُقدت الندوات واللقاءات لمناقشة فكر وحياة محمد أسد، وقد استهوتني الكتابة عن هذا المفكر الإسلامي الذائع الصيت بعدما حضرت الندوة التي أقيمت في رحاب مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية الأسبوع الماضي بعنوان (محمد أسد - حياه للحوار) حيث كانت أوراق العمل متنوعة في عناوينها ومضامينها، ومن بين تلك الأوراق ورقة معالي الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين بعنوان «لماذا اعتنق محمد أسد الإسلام».
والحديث عن شخصية إسلامية مثل شخصية محمد أسد -رحمه الله- والإلمام بتجربته ليس بالأمر الهين وهو موضوع يستحق أن يُعمل له دراسات وأبحاث، لكني وددت أن أتطرق إلى جزء من هذه التجربة.
ولد -رحمه الله- في بلدة ليفو (البولندية حالياً) سنة 1900م، من أسرة يهودية وكانت والدته تريده أن يكون حاخاماً مثل جده، إلا أن الأقدار تشاء ويمن الله عليه بالإسلام ويهدي قلبه إليه، حيث أسلم أواخر سنة 1926م، وبعد إعلان إسلامه توجه إلى مكة سنة 1927م لأداء فريضة الحج ترافقه زوجته التي تكبره بعشرين عاماً وتدعى (إلسا شايمان Elsa Schiemann) والتي تسمت (بعزيزة)، وابنها (هايتيرش) الذي تسمى (أحمد) بعد إسلامه، وبعد نهاية موسم الحج تعرض محمد أسد إلى موقف محزن أثر على نفسيته بضعه أسابيع وهو موت زوجته في مكة متأثرةٍ بمرض الملاريا، مما جعله يعتكف في منزله لأسابيع منعزلاً عن الناس بسبب هذه الصدمة.
تمكن محمد أسد من التعرف على الملك عبدالعزيز -رحمه الله- أثناء تواجده في مكة المكرمة عن طريق الملك فيصل -رحمه الله- فأعجب بالملك عبدالعزيز إعجاباً كبيراً حيث قال عنه في إحدى مقالاته (بأنه أقوى شخصية في عالم الإسلام اليوم) وغيره من المقالات التي يُبدي فيها إعجابه بالملك عبدالعزيز -رحمه الله-.
مكث محمد أسد في الجزيرة العربية مدة خمس سنوات امتدت من 1927 - 1932م، كانت حافلة بالمواقف والمخاطر التي مرت عليه وقد وضح ذلك في كتابة (الطريق إلى مكة) وكانت أغلب تلك المدة ضيفاً على الملك عبدالعزيز -رحمه الله- حيث كان أحد الشخصيات الفكرية المرافقة للملك عبدالعزيز، ومن ثقة الملك به فقد اعتمد عليه في تنفيذ بعض المهام السرية التي كان الملك عبدالعزيز يريد معرفة أبعاد بعض القضايا السياسية، وقد نجح محمد أسد في مهمته نجاحاً كاملاً وخاصة في المهمة التي نفذها أثناء ذهابه إلى الكويت مع مرافقه زيد بن غانم برغم ما حملته تلك الرحلة من مخاطر وأهوال.
تزوج محمد أسد ثلاث مرات أثناء إقامته بالمملكة واحدة بمدينة الرياض، واثنتان بالمدينة المنورة، ولم تستمر معه إلا زوجة واحدة أنجبت له ابناً أسماه (طارق) مالبث أن توفي ثم أنجبت له ابناً آخر وسماه (طلال) سنة 1932م وهو يعمل الآن أستاذاً لعلم الاجتماع بجامعة نيويورك.
يُعد كتابه «الإسلام على مفترق الطرق» من أجلّ كتبه وأعظمها قدراً لما يحويه هذا الكتاب من قيمة علمية عالية، وقد ألفه سنة 1934م في مدينة دلهي، أما كتابه الآخر «الطريق إلى مكة» فهو يُعد أيضاً من أشهر مؤلفاته على الإطلاق، ففيه ترجمة ذاتية لسيرة حياته حتى عام 1932م، وقصة اهتدائه للإسلام، ورحلاته التي قام بها في إيران والعراق والجزيرة العربية وما صادفه من مخاطر وأهوال في تلك الرحلات.
كان -رحمه الله- مبدعاً في إتقانه للغات الأخرى فقد أتقن اللغة العربية والإنجليزية والفرنسية والعبرية، كما كان مبدعاً أيضاً في إتقان اللهجات المحلية فكان في نجد يتحدث لهجة أهل نجد، وفي الحجاز يتحدث بلهجة أهل الحجاز، وقد ذكر ذلك في كتابة الطريق إلى مكة بأنه ذهب إلى ليبيا متخفياً لمقابلة عمر المختار بزي تاجر حجازي.
لقد تركت أعمال وتراث محمد أسد أثراً بالغاً في مسيرة الفكر الإسلامي الحديث، ولا أرى أنني أجافي الحقيقة إذا قلت إنه أسس لمدرسة جديدة في التفكير للشخصية المسلمة أثرتها ظروف نشأته وتجربته الحياتية إلى الإسلام وهنا لابد أن أذكر بأن محمد أسد الإنسان والمفكر دار حوله جدل كبير نتيجة أفكاره وأطروحاته وتحديداً كتابه «الإسلام على مفترق الطرق» لكونه قدم رؤى سابقة لعصرها وشكلت طرحاً تقدمياً على صعيد فهم موقف الإسلام من الكثير من القضايا خصوصاً أن الدراسات الغربية لم تستطع الوصول لفهم حقيقي أو مقارب لموقف الإسلام من هذه القضايا.
توفى رحمه الله في 23- 2-1992هـ عن عمر يناهز (91) عاماً في بلدة ميخاس الأسبانية بمقاطعة ملقا، ودفن في مقابر المسلمين بغرناطة.
وأنا هنا أدعو القارئ العزيز للتأمل في هذه المقولة التي شكلت الفكرة الأهم التي لخصتها تجربة محمد أسد وبها أختم مقالي «يجب على المسلم أن يعيش عالي الرأس متحققاً بأنه متميز وعظيم، لأنه كذلك، وأن يعلن تميزه هذا بشجاعة بدلاً أن يعتذر عنه».