اللوحة ليست بحاجة إلى ترجمة فاللون والصورة تترجمهما العين مباشرة أما القصيدة فلم أكن أعرف قبل أمسيتي في أنقرة والتي نقلتها الفضائية التركية أنها أيضا لا تحتاج إلى ترجمة ولو كانت بلغة أخرى حين يتهجاها القلب وتنطق بها الحواس وتتلقاها قلوب ظمئة للشعر.. تواقة للكلمة..
قبل تلك الأمسية الساحرة التي شاركني فيها نخبة من الشعراء الأتراك والتركمانيين كنت فقدت مذاق الأمسيات ونكهة القصيدة وحضور الشاعر على منبر الشعر، وشح الجمهور إلا من القليل القليل، كنت أشفق على القصيدة وأعتب على الشعراء الذين هجروها إلى الرواية متطلعين لعوالم أخرى تأخذ بحرفهم إلى مساحات لم تصلها القصيدة، وإلى فضاءات قد تصلها الرواية التي يتوق أصحاب دور النشر لتسويقها مهما كانت العناوين أو شهرة أصحابها على عكس اهتمامهم بالدواوين الشعرية.
علقت قصائد الشعراء في الماضي على جدار الكعبة المكرمة تشريفا للشعر، وشدت الرحال إلى قبة النابغة في عكاظ وكان الشعر حتى وقت قريب مؤرخا للحياة، والشاعر هو المُلهَم والملهِم والسلطان قبل أن يؤول به الحال إلى النسيان والإهمال.
فماذا جرى لتراثنا الشعري، لإرثنا ومؤرخنا.. الشعر؟ ماذا جرى لذائقتنا ؟
بعد تلك الأمسية في أنقرة.. أدركت أن للقصيدة جسدا يمكن أن يعانق الحضور، يمكن للقصيدة أن تمد يدها تمسح عناء الحياة وتكمد الشوق وتبدد لحظات الحزن بأخرى ترسم الفرحة على شفاه مطبقة، للقصيدة حياة تعيدنا إلى منصتها، للقصيدة لغة يترجمها إحساسنا بها وبمن يعتلي منصتها، لها دمعة تريقها، لها كف تصافح به الحاضرين.. للقصيدة لغة لا تحتاج أحيانا إلى من يترجمها إن ترجمها الصوت ولغة جسد شاعرها.
في مدينة النوارس.. إسطنبول.. لي متكأ من الذكرى، لي قصيدة تعانق المكان، لي وجع لا أستريح منه إلا إن امتطيت صهوة الشعر، وفي أنقرة سأظل أذكر أنني همت إلى الفردوس في ليلة شعر كانت القصيدة عروسها والحاضرين شموعها ولا شيء إلا الشعر.. تحية لمعالي الشعراء الذين شاركتهم سحر الحياة تلك الليلة ولتلك الأكف التي صفقت حتى صارت جزءا من إيقاع الأمسية، شكرا لك يا الله أن منحتني موهبة الشعر لأخلص من حنيني وفرحي ووجعي بشيء منه.
من قصيدة النوارس:
سأرقص على قرع نبضك
وأحلم بك كلما راودتني النوارس عن ذاكرتها
أو دعاني البحر لأغتسل به
وكلما فقد النهر ذاكرته
سأرمي له بقلبي فيهتدي إليك