|
من أمتع كتب الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله - كتاب صغير الحكم بعنوان (باي باي لندن)، تضمن عدداً من المقالات والخواطر والذكريات عن لندن المدينة التي عاش فيها سنوات عديدة.
وقال في مقدمة الكتاب: «ماذا تستطيع أن تقول عن مدينة قضيتُ فيها جزءاً من حياتك، يكاد يعادل خُمْسها، وعرفت فيها شواهق السعادة، كما انحدرت فيها إلى وهاد الألم؟
ماذا تستطيع أن تقول عن مدينة عشت فيها طالباً يزاحم الناس في الحافلة؛ لأنه لا يملك أجرة التاكسي، وعشت فيها سفيراً يتنقل في أفخم السيارات المصفحة؟..».
كتب غازي القصيبي عند رحيله من لندن، وقال:
سأحمل معي لندن صغيرة صنعتها من مائة لندن ولندن..
لندن تحمل لوناً لا يراه سواي، ورائحة لا يستنشقها غيري، وطعماً لا يذوقه إلا لساني.. في لندن هذه مشهد يارا وهي تولد وسط فوضى عارمة انتابت قسم الولادة في مستشفى عتيق ذات يوم.. في لندن هذه صورة زوجَيْن شابين يشتريان نصف سمكة ثم يكتشفان أن السمكة من «سالمون»، ويضحكان حين يقضي ثمنها على مصروف أسبوعين كاملين.. في لندن هذه عصافير صغيرة تحط على يدك وتقبلها وتأكل منها.. تسكن حديقة «سانت جيمس».. في لندن هذه تبتسم العجائز لك في الصباح، وتحييك فتاة المتجر بحرارة، ويستقبلك سائق سيارة التاكسي السوداء بنكاته.
وفي لندن هذه مطاعم دافئة صغيرة تشعر وأنت تدخلها شعور إنسان الكهف وهو يأوي إلى حصن حصين بعد يوم حافل بالجوع والمخاطر..
وفي لندن هذه الكثير والكثير من الشعر..
والكثير والكثير من الحب.. والكثير والكثير من الحزن..
وفي لندن هذه يقف سلمان الصغير «حفيد الكاتب» أكبر من لندن نفسها.