|
الجزيرة - نورة الشبل
تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - نظمت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية يوم الاثنين الماضي ندوتين علميتين ضمن فعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة في دورته السادسة والعشرين (الجنادرية) وهي: (الخوف من الإسلام وتصاعد الأصوليات في العالم) و(الأصوليات في الغرب وخيانة التنوير)، وذلك في القاعة المساندة (أ) بمبنى مركز المؤتمرات والتعليم المستمر في المدينة الجامعية. وبدأ اللقاء بتلاوة آيات من القرآن الكريم، عقب ذلك بدأت الندوة الأولى التي بعنوان (الخوف من الإسلام وتصاعد الأصوليات في العالم) بكلمة ترحيبية من رئيس الجلسة مستشار معالي مدير جامعة الإمام الدكتور إبراهيم بن محمد الميمن رحب فيها بالمشاركين والحاضرين لهذه الندوة، وأضاف الدكتور الميمن أن الجامعة تعتز بمشاركتها بهذه المناسبة التي لم تعد عرضاً لمكتسبات وطنية فحسب بل تحولت إلى تظاهرة ثقافية عالمية.
ثم ألقى الدكتور محمد السماك من لبنان ورقته التي بين فيها أن علاقات العالم الإسلامي مع العالم تواجه مشكلة حقيقية هي كراهية الإسلام عن جهل به، واختصر هذه المشكلة بعبارة (الإسلاموفوبيا)، كما أشار إلى أن منظمة المؤتمر الإسلامي اعترفت بالمشكلة واعترفت بخطر استمرارها وبالأضرار الفادحة المترتبة على التغافل عنها وقررت مواجهتها والتصدي لها، إلا أن المشكلة لا تزال تتضخم حجماً وتتوسع انتشاراً، كما اشتشهد بمقولات عدد من الرؤساء الغربيين والقسيسين والمؤلفين والدراسات التي تدعو إلى محاربة الإسلام ودعمه للإرهاب.
وبين الدكتور السماك أن الخوف لدى الغربيين مما يحمله الإسلام وليس الخوف من الإسلام ذاته، موضحاً أن ذلك يعود إلى: سوء فهم الإسلام من بعض المؤسسات الفكرية غير الإسلامية، وسوء تفسير الإسلام من البعض مما ينعكس على المسلمين بالسوء. واعتبر أن الثقافة الأوروبية من أهم أسباب تأخر العالم الإسلامي وامتناعه عن فك الارتباط في الحياة العامة بالدين.
وفي ختام ورقته دعا السماك إلى تعزيز العلاقات الإسلامية - المسيحية في الدول العربية خاصة والإسلامية عامة على قاعدة احترام حقوق المواطنة كاملة، ودعا أيضاً إلى كبح جماح التطرف والغلو الذي نهى عنه الإسلام وأدانه، وإقامة جسور الحوار مع أهل الأديان والعقائد والثقافات المختلفة على قاعدة المبادرة العالمية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في مكة ومدريد ونيويورك والتي تحولت الآن بإرادة من خادم الحرمين الشريفين إلى مؤسسة عالمية للحوار مقرها فيينا.
ثم ألقى الدكتور عيسى الغيث مستشار معالي وزير العدل ورقة أوضح فيها أن مشكلة الخوف ليست من جهة المسلمين وإنما من جهة الغرب واستدل بأن الإسلام بدأ من الوسط وانتقل إلى الشرق قبل الغرب ومع ذلك لا نجد هذه الفوبيا لدى الشرق مما يعني أن هناك (أصوليات) في الغرب قد قامت بهذا الدور العدواني ضد الغرب نفسه وذلك عبر تخويفهم من الإسلام والمسلمين، كما أشار إلى استغلال بعض (الأصوليات) الشاذة عند بعض المسلمين كتبرير للأصوليات لدى الغرب تجاه المسلمين ومن ثم التخويف منهم ولكن هذه الأصوليات عند المسلمين تعتبر نادرة ومنبوذة لدى المسلمين قبل غيرهم.
وبين الدكتور الغيث أن هناك ارتباطا وثيقا بين الخوف من الإسلام بسبب التخويف منه وبين تصاعد الأصوليات في العالم، وذلك بحيث يتم استغلال بعض التصرفات المتطرفة من بعض المسلمين بتهويلها والمبالغة فيها ومن ثم تعميمها على المسلمين وجعل الإسلام مسئولاً عنها، كما حذر من بعض الدول التي تدعم بخفاء أصوليات متعددة مثل تنظيم القاعدة الذي أجمع السعوديون والعرب والمسلمون على كونهم (فئة ضالة) وأن السعودية هي أكثر دولة واجهتهم وتصدت لهم وذلك بفضل الله ثم بفضل السياسة الحكيمة للدولة السعودية.
ثم ألقى الدكتور عبدالرحمن الزنيدي عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بالجامعة ورقة أشار فيها إلى أن هناك واردين يقفزان للذهن حينما يسمع المرء لفظة (أصولية) وهي: ارتباطها بالدين، والسلبية.
وأوضح الدكتور الزنيدي أن الأصولية الدينية هي صورة من صور التدين البشري بدين ما وأن هذا التدين له نمطان هما: التزام الدين عبر كتبه المقدسة لدى أتباعه، والنمط الثاني هو الذي يتجاوز عناصر الالتزام بأصول الدين واعتقاد أحقيتها وخطأ ما يخالفها إلى العدوان على المختلفين معها وإهدار حقوقهم الإنسانية ورفض الحوار والتعاون والتعايش السلمي معهم. وأن الأصولية غير الدينية هي المشكلة الحقيقية سواء كانت سياسية أو ثقافية لأنها دكتاتورية طاغية إمبريالية ضد الآخرين.
كما بين أن الأصولية الإسلامية لا تخرج عن الأصولية الدينية حيث تتجلى في نمطين من التدين، هما: الإيمان بمبادئ الإسلام وتقديس نصوصه الأصلية من القرآن الكريم والسنة النبوية عبر الشعائر التعبدية، والنمط الثاني هو الذي تجاوز عناصر تدين النمط الأول نحو ممارسة العنف والإرهاب ضد الغير باسم الدين بالقتل والتفجير والتدمير. وعلل هذه الأفعال بأنها مناقضة لصريح الإسلام وإنما يعلل المتطرف أفعاله بأنها انتقام من الغرب نتيجة استعماره لبعض البلاد الإسلامية ودعمه للاحتلال الإسرائيلي ونهبه لخيرات الأمة الإسلامية ونحو ذلك، كما علل أفعالهم بأن الدين ليس هو الباعث الأصلي وإنما وظف الدين لاستقطاب المتدينين تعاطفاً معه، وعلل أيضاً بأن المسلك العدواني الإرهابي المتجاوز للقيم الإنسانية وللشريعة الإسلامية مرفوض من عموم المسلمين.
وفي الندوة الثانية التي بعنوان (الأصوليات في الغرب وخيانة التنوير) ورأسها عميد كلية الدعوة والإعلام الدكتور عبدالله بن محمد المجلي الذي رحب بالمشاركين والحاضرين وتمنى أن تثري أوراق المشاركين إعجاب الحاضرين من أعضاء هيئة تدريس وطلاب ومهمتين بهذا الجانب.
عقب ذلك ألقى الدكتور سعيد العلوي من المغرب ورقة عرف فيها بأن الإسلاموفوبيا تركيب مزجي من كلمتين: الإسلام والفوبيا، وأشار إلى أن الفوبيا مصطلح سيكولوجي يعني الخوف المرضي المجهول المصدر، مضيفاً بأن العالم الغربي أمام حالات متنوعة من الإسلاموفوبيا تجد تفسيرات لها في الجهل تارة وفي سلوك بعض جماعات اتخذت الإسلام ستاراً وذريعة للعنف والاعتداء على الأبرياء وفي إشكالات اجتماعية تتصل بحال المسلمين في دول أوربا وأمريكا الشمالية منذ العقود الأربعة الماضية.
كما أضاف الدكتور العلوي بأن الجهل يكتنفه الخلط الشديد في الأذهان بين الإسلام ديناً وحضارة وبين الغلو الذي يبلغ درجة ارتكاب العنف والقتل، وأن هناك حالات من الخوف المرضي يتصل بواقع الأوروبيين المسلمين في الغرب الأوروبي خاصة وهو صعوبة اندماج المهاجرين في مجتمعات الدول التي يحملون جنسياتها كفرنسا وإيطاليا وبلجيكا... وعن كل هذا ينتج أن الإسلاموفوبيا ظاهرة معقدة والعلاج فيها يقتضي الاستعانة بكثير من الحكمة والمعرفة الصائبة.
ثم ألقى الدكتور هاشم صالح من فرنسا ورقة تساءل فيها عن لماذا أصبح الإسلام مشكلة في العالم، كما بين أن المسلمين أصبحوا يهتمون بالأصولية لأن الآخر يكرهنا، محذراً بأن الأصولية ستظل مشكلة مطروحة في العالم.
عقب ذلك ألقى الدكتور فوزي البدوي من تونس ورقة بين فيها أن العلاقات الإسلامية اليهودية والعلاقات الإسلامية المسيحية في القرون الوسطى كانت جوهر خلاف في وقتها، وأن هناك اليهودية والمسيحية كانت تحاول القول أن الإسلام غريب عن الحضارة الإغريقية والحضارة الرومانية، منوهاً إلى أن الخوف من الإسلام يرجع بالأساس إلى أن هناك إلتقاء بين اليهود والمسيحين وإن الإسلام غريب عنها.
وفي ختام الندوتين أجاب المشاركون على مداخلات وتعليقات الحاضرين.
حضر الندوة الدكتور محمد النجيمي وعدد من وكلاء الجامعة وعمداء الكليات والعمادات المساندة ومسؤولو الجامعة والمهتمون في هذا الجانب، وفي ختام الندوة تناول الجميع طعام الغداء في برج الجامعة.