أتفق جزئيا مع من يرى أن أزمتنا التعليمية يمكن أن تنحصر في جانب واحد فقط من جوانب العملية التعليمية، هناك من يرجع ضعف المخرجات وتدني مستويات الطلاب وافتقارهم للمهارات الحياتية إلى سوء المناهج وتركيزها على التلقين والحفظ والاستظهار والنظر إلى الاختبارات على أنها الهدف النهائي من التعليم, وهذا الرأي مقبول لكنه لا يوضح كل الصورة بأبعادها المختلفة لأن ثمة أجزاء غير ظاهرة وهذه الأجزاء المتداخلة إلى حد صعوبة الفصل بينها تخفي الكثير من العيوب، فعلى سبيل المثال يتوالى الطرح حول البيئة المدرسية والنقص الحاد في مقوماتها الأساسية بدليل بقاء أغلب مدارسنا في مبان حكومية قديمة تهالكت بفعل الزمن أو مبان مستأجرة لم تهيأ أصلا كمدارس وإنما منازل يتلقى أبناؤنا وبناتنا تعليمهم فيها داخل المجالس وغرف النوم وغرف الطعام والمطابخ، وجهات نظر أخرى ترى أن أزمة التعليم من صنع معلم فاشل ولا مبال وأن البيت يشارك بنسبة مماثلة في الأزمة الحالية لانصرافه عن التربية، قد نسمع آراء عن ضعف الاهتمام بتدريب المعلمين وتنويع طرق التعليم وقلة الاهتمام بالموهوبين والمبدعين لكننا بهذه الطريقة سنغض الطرف عن السبب الرئيس لأن كل ما ذكر يمثل الأعراض الظاهرة للمشكلة الحقيقية وهي الإدارة التي تقف وراء كل الإخفاقات.
كل النماذج التعليمية الفريدة في العالم تقف خلفها نظم إدارية متميزة وعالية الجودة لم تكتف بتسيير العمل الروتيني ولا بحل المشكلات بل سعت لتجويد العمل بتقليل الأخطاء وتطويركافة جوانب العملية التعليمية لذلك اتجهت نحو تطبيق اللامركزية وتحويل المدرسة إلى وحدة شبه مستقلة تصنع القرارات وتنفذها وتنطلق من داخلها كل الرؤى ووجهات النظر التي تسهم في تشكيل سياسات خلاقة تدعم الإدارة العليا في اتخاذ القرارات المصيرية.
عملت تلك النظم الإدارية بأنساق تجاوزت البيروقراطية والروتين وتعقيد الإجراءات إلى انسيابية فريدة أخذت في اعتباراتها سرعة الإنجاز بأقل وقت وأكثر دقة وجودة، كان أهم تحد لهذه النظم الناجحة اختيار الشخصيات التي تقود التعليم باقتدار فوضعت أسس التأهيل والتدريب والخبرة الثرية في مجالات التعليم والمقومات الشخصية الفذة شروطا لا بد منها لترشيح أي تربوي لتولي المناصب القيادية دون أن يكون للمجاملات والمحسوبيات والعلاقات أي دور, ولذلك فمن يصل إلى المستويات القيادية العليا يمر بمراحل متدرجة من المدرسة فالإدارة التعليمية فالوزارة ويتولى قيادة الدفة وقد تشبع خبرة وتدريبا وإلماما بالواقع التعليمي بكل تفاصيله لذا تجده أكثر قدرة على تحديد نقاط الضعف وأسرع وصولا للحل المناسب.
مشكلة الإدارة الحقيقية في وزارة التربية والتعليم أن أغلب القيادات الحالية المساندة لسمو الوزير ونوابه جاءت من اتجاهات معاكسة لما ذكرت فوصلت بعد التخرج من الجامعة مباشرة تحمل مؤهلات أكاديمية عليا فقط لديها القدرة على التنظير ورسم الخطط على الورق مقابل إخفاق في قيادة العمل الميداني لذلك ظل تعليمنا رهين تخبطات وتجارب فكل عام مناهج جديدة وغرق في مشكلات المعلمين تعيينا وتثبيتا وترقية وإخفاقات في حل مشكلات المباني المستأجرة المزمنة والمدارس الأهلية والتقويم المستمر وبالتالي فهي إدارة غير حاسمة في حل أزمات التعليم ناهيك عن أن تكون قادرة على إحداث نقلة نوعية للتربية والتعليم تحقق طموح المجتمع.
shlash2010@hotmail.com