الغيب
سأل أمه عن مواصفاتها، مقدرتها في التعامل مع زوايا البيت، وألح بالسؤال حين انفرد بأخته، تغلغل في تكوين شخصيتها، مواهبها التي تدمن القيام بها، أقرب الصفات التي تشعر أنها تجمعها بها، فقد كانت أخته المثل الأعلى له.
ذات مساء مختلف كانت تقوم بزيارتهم، اختلس النظر إليها، تأكدت رغبته لها بعد طول تأمل، وتعمق في كل الأحاديث التي سمعها وما يراه أمامه، تعلق بها ووجد الهيام ضالته فيه، فكان متربعا على وجدانه وقلبه وعقله، شد الرحيل مكونا حياة مستقبلية لهما في خياله، وتنقل برفقتها إلى كل مكان، انتجع على شواطئ لا حدود لها، وتلذذ بمذاق حبها، حين الصحو اختلى بأمه ملحاً عليها لطلب يدها، ترددت كثيراً أمام إصراره، فقد تذكرت أنها ألقمتها ثديها مثلما ألقمته بجلسات لا تحصيها!!.
أطراف..!
يمسك بها بشدة وحرص، عيناه ما زالتا في شرودهما القديم، لم يطمئن لمكان جلوسه، مما زاده خوفا عليها، أقبل عليه الطبيب مستفهما.
- هل أوراقك كاملة؟
قدمها له بصمت، استلمها وتفحصها ورقة ورقة بدقة، مرت هنيهة ثم أشار إلى غرفة قريبة وطلب منه الدخول، أجلسه على كرسي يتحول إلى سرير، طلب منه الاسترخاء بهدوء، حاول الطبيب طمأنته كي يأخذها منه ويبدأ بتركيبها في مكانها، ربت على كتفه، مد يده نحوها وامسك بها، تمعنها بعد أن قلبها يمنة ويسرة.
- أعتقد أنها عالية التكلفة والتقنية، لكن ستخدمك كثيرا!!
لم يجبه فما زالت عيناه في شرودهما القديم، انشغل الطبيب في تجهيزها، وانهمكت ذاكرته تحفر بعيداً مع عينيه الشاردتين، استعان الطبيب بعد اتصالات متواصلة بأطباء آخرين، اجتمعوا حوله للمرة الخامسة، استغرق كل واحد منهم بتخصصه، كانت الدهشة متشبثة به، وحالة الانتظار مرتسمة على ملامحه، التفتوا جميعا إليه، جاءه الصوت.
- صراحة وبعد عدة محاولات وتجارب، وجدنا أن ذراعك هذه لن تتطابق معك، وتحتاج إلى إعادة تأهيل، كي يتطابق برامجها مع مقدرتك، نأمل أن تثق بنفسك قبل ذلك!!
امتدت يده الأخرى إلى كتفه القاصرة، وراحت تمسح عليها ببكاء يتجدد دوما، فلم يقطع شرود بصره، حيث كان متوقفا عند حادث الطفولة وقد انتزع ذراعه كاملة!!.