قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، بتشديد مراقبة الأسواق، وإنزال أقصى العقوبات تجاه كل متكسب جشع، إضافة إلى زيادة دعم الأعلاف ومدخلاتها بنسبة «50 %»، جاء شاهدًا حيًا، ضمن حلقة في عهد قائد الإصلاح،
وهي ترجمة حقيقية، تدل على مدى اهتمام القيادة بهموم شعبها، واتخاذ الإجراءات الفورية، بل وطويلة الأجل؛ لضمان توفير ما يساعدهم في ظروف الحياة، بعد تلمس احتياجاتهم، ودراسة أحوالهم عن كثب.
بينما يُنظر إلى تصدر ارتفاع أسعار المواد الرئيسة - خلال الأيام الماضية -، عناوين الأخبار الصحفية، وأنها آخذة في التصاعد، بوصفها ظاهرة متكررة في مجتمعنا، والتذكير: بأن ما يحدث، سيُصبح مصدر قلق للمواطنين. وكأنهم حين انتظروا إقرار زيادات الرواتب، وقرار الراتبين، ورفع الحد الأدنى للمرتبات إلى - ثلاثة آلاف ريال -، لموظفي القطاع العام، خلق التجار أزمة جديدة عن طريق ارتفاع الأسعار، وهو أمر غير مستغرب، فهم - أي: التجار - بريئون من الطمع، والجشع، ومن بحثهم عن أرباح إضافية كبيرة على حساب المستهلك، - لاسيما - أن لدينا قوانين لمراقبة الأسعار.
من جانب آخر، فإن طبيعة تنفيذ قرار الدعم الحكومي، عائد لمن أوكل إليه الأمر، وهي: وزارة التجارة - من خلال - الرقابة على الأسعار، بدءاً من الملحق التجاري في السفارات السعودية في الخارج، ومعرفة سعرها الحقيقي. والتأكد من عدم وجود تجاوزات من قبل التجار، وذلك عن طريق: تكثيف الرقابة على الأسواق، ومتابعة الزيادات المصطنعة في أسعار السلع، - لاسيما - الضرورية منها، واتخاذ كافة الإجراءات الصارمة، في حق كل من تسول له نفسه التلاعب بأرزاق الناس.
- خاصة - وأن السوق يشهد - هذه الأيام - فوضى الأسعار، وإن كانت بنسب بطيئة، ومتفاوتة، راجيًا ألا يكون البحث ما زال جاريًا عن مفتشي وزارة التجارة. وفي تقديري: فإن الوقت قد حان لإنشاء هيئة مستقلة، تكون فيها مشاركة شعبية، وأهلية، تتكون من متطوعين مؤهلين، وتجار غير متواطئين؛ لحماية المستهلك من صاروخ غلاء الأسعار، أسوة بباقي دول العالم.
كما أن التنسيق، مع الجهات الأخرى ذات العلاقة؛ لتفعيل عقوبات الغش التجاري، كمصلحة الجمارك - مطلب مهم -، حيث إن لديها الوسائل اللازمة؛ للتحقق من صحة الفواتير المقدمة لها عن طريق إدارة القيمة الجمركية، بدراسة الأسعار المصرح عنها، والاستفادة من الأنظمة الآلية التي تتيح الرجوع لتاريخ المستورد، والمصدر، والبضاعة، وبلد المنشأ، وما يتعلق بدراسة ارتفاع الأسعار، مقارنة بالفواتير المقدمة للجمارك من قبل التجار.
وخلاصة القول: فإني أرجو ألا يخرج علينا أحد؛ ليُطمئننا بأن ما يجري من ارتفاع الأسعار، له علاقة بعوامل - بعضها - داخلية، - وأخرى - خارجية، لا يمكن السيطرة عليها، أو التحكم فيها، كتغير أسعار العملات، والظروف المناخية، وارتفاع سعر البترول، وارتفاع أسعار التأمين، والشحن، والجفاف، والفيضانات، وقلة الإنتاج في بعض الدول المنتجة، فما يجري ليس له علاقة من قريب، أو بعيد بما يحدث في الأسواق العالمية.
وحيث إن الأوامر الملكية الكريمة، حثت وزارة التجارة على مراقبة الأسواق، ومنع حدوث تلاعب في الأسعار، حتى لا تُخلق مشكلات نحن في غنى عنها، فإن الحاجة ملحة - اليوم - إلى فرض عقوبات التشهير، والغرامات المالية؛ لتبعث برسالة قوية، وواضحة إلى التجار، مفاده: أن الحكومة جادة في ضبط الأسعار، وعدم التلاعب بها، لأن من أمن العقاب أساء الأدب.
يحق لنا بعد ذلك كله، أن نفخر بهكذا قرارات، تشمل كافة المواطنين؛ لتؤكد في الوقت نفسه على حرص القيادة على كل ما من شأنه رفاهية المواطن، وتوفير سبل العيش الكريم له. أو ليس خادم الحرمين الشريفين، وفي أكثر من مناسبة، هو من يوصي كل المسؤولين، وفي كافة اللقاءات معهم بالمواطن، بتلمس احتياجاتهم، والعمل على قضائها؟. ولأن الشيء بالشيء يُذكر، فإني - لازلت - أذكر مقالا للكاتبة الفرنسية «لوسيل فان دير سلك»، نُشر في صحيفة «لفيغارو»، حين ختمت مقالها، بأن: «خادم الحرمين الشريفين، وبعد خمس سنوات من تسلمه لمقاليد الحكم، لم يعتمد أسلوب الفرقعة، والصدمات الفكرية، والاجتماعية، بل وضع المملكة من خلال الخطوات التي اتخذها على طريق الإصلاح، حيث يوافق معظم السعوديون، وبمحض إرادتهم على القول، بأن: الأشياء تسير في الاتجاه الصحيح، وأما بالنسبة لنا، فقد حان الوقت؛ لمد جسور، وإقامة علاقة مبنية على الثقة، والتعاون المفيد لكلا الطرفين».
drsasq@gmail.com