|
تحقيق - أحمد حكمي
(مافيا تهريب الخادمات) جعلت اهتمامها الأساسي تهريب الخادمات وسرقتها من كفيلها في واحدة من أخطر الظواهر على مجتمعنا ووطننا، هذه الظاهرة التي أثرت بشكل كبير على اقتصادنا وأمتنا من خلال ما خلفته من جرائم ومن أموال وثروات يتم تحويلها إلى بلدان أجنبية. هذه المافيا المنتشرة في أرجاء المملكة مهتمة بتهريب الخادمات وجني الثروات الطائلة من جراء هذا العمل المخالف لكل القوانين والتشريعات، بل جعلت لها سوقا سوداء لعرض بضاعتها المختلفة باختلاف الأنشطة ووجدت رواجا منقطع النظير من قليلي الوعي.
فعلى الرغم من التحذيرات الأمنية إلا أن بعض المواطنين يستقبل الخادمات الهاربات لتشغيلهن بالساعات كحل مؤقت وسريع، متناسيا ما ينتج عن هذا العمل المخل بأمن بلده ولا يعلم أنه بذلك يدعم شبكات ومافيا تقود العمل والتخطيط منذ خروج الخادمة من منزل كفيلها إلى أن تصل إلى كنف الجريمة.
عملية الهروب محطتها الأولى تبدأ بحصول الخادمة على أرقام السماسرة باحتكاك بعضهن ببعض وبالمجتمع الخارجي وهذا يحدث في ظل إهمال الكفيل. وتسير عملية الهروب وفق خطة محكمة من السمسار أو المنظم مرورا بالمهرب إلى أن تصبح هذه الخادمة حرة طليقة لتختار العمل في القسم الذي تريده: خادمة بالساعات - سرقة - دعارة - تهريب مخدرات - مرافقة مهرب. هذا الإخلال الأمني والاقتصادي والمجتمعي كله يعود إلى نقطة أساسية هي هروب الخادمة.
(الجزيرة) حاولت المرور على ما استجد في ظاهرة هروب الخادمات التي تتزايد عاما بعد عام وتأثيرها المتزايد على مجتمعنا واقتصادنا وأمننا، معرجين على الأسباب والحلول التي يمكن أن تصلح ما أفسده هذا العمل الإجرامي في حق مجتمعنا وذلك عبر عدة محاور في حلقات متسلسلة نبدأها بالجزء الأول:
بداية نتحدث عن مسببات الهروب حيث تختلف مسببات الهروب من شخص لآخر فكل حسب نظرته وما يراه، لكن متعب العريشي يرى أن الأسباب في انتشار ظاهرة هروب الخادمات كثيرة ومتعددة بعضها راجع لجشع الخادمة وبحثها عن المال مما يجعلها تبحث عن أسرع طريقة للكسب خاصة ان بعضهن يجدن تحريضا من قبل خادمات أخريات يقمن بإغرائهن للعمل.
بينما يرى حسن الجوهري أن السبب الرئيس يرجع لربة المنزل وما تعانيه الخادمة من مشقة في التعامل مع عدة أطفال تتركهم الأم عند أول يوم من دخول الخادمة وكأن مسؤوليتها تجاه أطفالها قد انتهت بقدوم الخادمة التي تجد نفسها مجبرة على رعاية أطفال لا علاقة لها بهم ولم تستقدم لتربيتهم وإنما للمساعدة في الأعمال المنزلية.
خادمة سبق لها العمل
بينما ترى أم عبد الله وهي ربة منزل وقد خاضت التجربة بعد هروب خادمتها بأيام بسيطة من استقدامها أن السبب الرئيسي هو المطالبة بخادمة سبق لها العمل في بلادنا حتى يسهل التأقلم معها بشكل سريع، لكن للأسف نجد أنها تأتي وقد رسمت خطة هروبها كاملة فتتظاهر بالتعب أول أيام وصولها ولا تبين أبدا نيتها بل تأتي عليها أيام تكون في قمة اجتهادها لدرجة تدعو للشفقة مما يدفعني لإراحتها مضيفة أنها وبعد مرور اقل من ثلاثة اشهر صحت من نومها فلم تجد لها أثرا.
لا بد من حلول
أما الحلول التي يمكن أن تكون مرضية للطرفين في نظر محمد السهلي فتكمن في توقيع عقد بين الخادمة وبين الكفيل عن طريق سفارة بلدها على أن يتضمن شرحا لطبيعة عملها وعدد الساعات التي يجب أن تعملها في اليوم، بمعنى آخر تكون حقوق الخادمة واضحة ومصونة وحقوق المواطن واضحة ومصونة، وفي حالة إخلال أحد الطرفين بالعقد بحيث يتسبب في ضرر للخادمة أو المواطن فإن من حق الطرف المتضرر استرداد حقوقه كاملة وتكون السفارة في هذا العقد هي الضامن والمسؤول عن رد حق المواطن وتعويضه ماديا عن المبالغ التي خسرها على هذه الخادمة، أو تتعهد السفارة بجلب خادمة أخرى مكان هذه التي أضرت بالكفيل.
أضرار الظاهرة على الأسرة
ومع تعدد الأسباب والحلول في نظر المواطنين كان لا بد أن نعرج على الآثار الاجتماعية التي تتوالد نتيجة ظاهرة هروب الخادمات لنجد أنها ظاهرة بالفعل تستحق تكاتف المجتمع ووقوفه مع بعضه بشكل قوي في نظر الدكتورة أمينة الطيب الإخصائية الاجتماعية والأسرية التي أكدت أن هروب الخادمة له الكثير من التأثيرات على المجتمع من خلال ما يسببه من ضرر نتيجة هذا الهرب من خلال عمل الخادمة في السرقة أو التهريب وما ينتج عن ذلك من ضرر على أفراد المجتمع ناهيك عن الأعمال الأخلاقية التي يعملن بها كالدعارة مثلا، وبالتالي انتشار أعمال الرذيلة بين أفراد المجتمع ناهيك عن الأمراض التي تنتشر جراء مثل هذه الأعمال.
قسوة وانحلال أخلاقي
وتضيف: هروب الخادمات ظاهرة تحمل في طياتها الكثير من القسوة على مجتمعنا من الناحية العاطفية خاصة ان الطيبة هي سمة من سمات أفراده وبالتالي تستغل الخادمات العاطفة وجعلها منفذا للهروب، وأيضا في المقابل هناك الكثير من العائلات تستقبل الخادمة الهارية لتشغيلها المؤقت رغم ما تحمله هذه الخادمة من انحلال أخلاقي، فهي من المؤكد أن تحتك بأفراد الأسرة وبالتالي بإمكانها أن تفعل ما تشاء وينتج عن ذلك الكثير من الأضرار.
وترى الدكتورة الطيب أن على الأسر مسؤولية كبيرة من خلال رفع مستوى وعي أبنائها وان تبتعد كل الابتعاد عن استقبال أو إيواء مثل هؤلاء الخادمات الهاربات حتى تضمن سلامة الأسرة من الانحراف.
جرائم غسيل الأموال
وعند مرورنا على الآثار الاقتصادية وجدنا أنها لا تقل أهمية عن سابقتها الاجتماعية بل انها تشكل صفعة قوية لاقتصادنا الوطني من خلال استنزاف المليارات من الريالات التي تذهب لدول خارجية وما ينتج عن هذا العمل من ارتكاب العديد من المخالفات القانونية التي تضر بالاقتصاد المصرفي من خلال غسيل الأموال وغيره من الجرائم الاقتصادية من وجهة نظر المحلل الاقتصادي فضل البوعينين الذي أوضح أن هروب الخادمات ظاهرة سيئة ومؤثرة من الناحيتين الاقتصادية والأمنية وان كان الجانب الاقتصادي على علاقة بالجانب الأمني.
رسوم عالية نظير خدمات وقتية
فمن الناحية الاقتصادية ضرر مباشر على رب الأسرة وهو المواطن الذي يتكبد تكاليف التأشيرة والاستقدام وكلها تذهب سدى بعد هروب الخادمة ويضاف إليها تكاليف الاستقدام مرة أخرى وهذه التكاليف يمكن توفيرها لو لم تهرب.
ويضيف: معظم الهاربات يبحثن عن العمل بأجور مرتفعة بالتنسيق مع ( مافيا الخادمات) وهنا تقوم المافيا بفرض رسوم مرتفعة على من يرغب الاستفادة بنظام التأجير، وعلى الرغم من مخالفة الأنظمة والقوانين وما تمثله هذه الظاهرة من خطر على الجميع إلا أنها مزدهرة وهذا يتسبب في تكبيد الآخرين رسوما عالية نظير خدمات وقتية مما يتسبب بخسارة اقتصادية كبيرة.
استنزاف الأرصدة
واضاف البوعينين في بعض الأحيان تستغل الخادمات بنظام التأجير لأهداف إجرامية ومنها السرقة وبذلك يتسبب هروب الخادمات في السرقة مباشرة من المنازل التي يعملون فيها وهنا تحدث خسارة اقتصادية على المواطنين مترتبة على الهروب الأول مما يضر بالاقتصاد الوطني ويخسر أموالا كبيرة بسبب ما تدفعه مكاتب الاستقدام وما يدفعه المواطن للمكاتب الخارجية وهذه تستنزف أرصدة العملة الوطنية من العملات الأجنبية وإذا ما أضفنا حجم الحوالات المالية المضاعفة التي تقوم الهاربات بتحويلها فتحدث خسارة اكبر.
الهروب جزء من الاقتصاد الخفي
وأشار الأستاذ فضل إلى أن هروب الخادمات وتشغليهن يمثل جزءا رئيسا من الاقتصاد الخفي (الأسود) ونعني بذلك إيرادات مالية وتحويلات تتم خارج النظام والقانون ومن الطبيعي عمل الخادمات الهاربات وتحويلهن أموالهن إلى الخارج هو عمل غير نظامي ويؤثر سلبا على الاقتصاد، وانتشار هذه الظاهرة وتوسعها تسبب مشكلات اقتصادية وأمنية لا حصر لها خاصة ان بعض الهاربات يتم توظيفهن في أعمال غير أخلاقية وهذه تدر أموالا ضخمة وهي من الأموال المحرمة شرعا ونظاما وتجميع هذه الأموال وادخالها في النظام المصرفي يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون فهي جزء رئيس من عمليات غسل الأموال.
مشكلات مع المنظمات الدولية
وختم البوعينين رأيه بمشكلة عمالية ربما تسبب في إحداث مشكلات مع المنظمات الدولية، فالهاربات قد يشتغلن في أمور مشينة ومنها تجارة (الرقيق الأبيض) فيقحم هذا العمل في اتهامات الاتجار في البشر على الرغم من أن هروب الخادمات هو المتسبب في استغلالهن في مثل هذه الأمور.
محذرا بأنه لولا زيادة الطلب على الخادمات الهاربات لما استطاع أحد أن يسوق لهن وفي المقابل هناك ارباح عالية جدا تغريهن للعمل في المواقع الإجرامية كالدعارة مما يسبب في انتشار الأمراض الخبيثة - لا سمح الله - وبالتالي هناك خسارة اقتصادية كبيرة من خلال تحمل الدولة لعلاج المواطن المصاب وللأسف أن من يقع في شبكات الدعارة لهؤلاء الخادمات هم من في سن المراهقة واختيار الأحياء القديمة لتكون وكرا لعمل من هذه الجرائم.
تنوع الجرائم
أما من الناحية الأمنية فكان لنا وقفة مع النقيب عبد الرحمن الزهراني الناطق الإعلامي بشرطة جازان حيث قال: هناك بعض الخادمات يأتين من بلادهن وهدفهن الأساسي ليس العمل بل الهرب بالتنسيق مسبق مع عاملات موجودات بالسعودية، وللأسف اغلب من يستقدمون سبق ان عملوا بالمملكة لذلك لديهم اطلاع تام ومعرفة بالسماسرة وبالتالي يتواصلون معهم لتبدأ قصة الهرب وما يتبعها من جرائم متنوعة كالدعارة والسرقات والمساعدة على تهريب المسكرات والمخدرات.
مضيفا أن هناك أنظمة وتعليمات بالعقوبة المترتبة على الخادمات المرتكبات للجريمة ومنها الإبعاد بمدة لا تقل عن خمس سنوات وحين يصلن إلى بلادهن يبدأن في تحريض الخادمات القادمات على عمليات النصب والاحتيال والسرقة والهدف الأول والأخير هو الكسب المادي مما يجعلهن متجهات إلى الطريق الأقرب وهو طريق الجريمة والتهريب التي عادة ما تكون مربحة.
إهمال الكفيل بخروج الخادمة
ويضيف النقيب الزهراني لدينا معلومات أمنية أن هناك سماسرة مختصين بإغراء الخادمات بشكل أو بآخر بل لديهم القدرة على رسم مخطط للخادمة فور تواصلها مع أي منهم منذ خروجها من بيت كفيلها حتى تصلهم وهذا التواصل يتحمل الكفيل جزء منه بترك الخادمة تتحرك بحرية مطلقة خارج المنزل إلى البقالات أو أي مكان آخر وبالتالي تحتك بمن يقابلها.
عند تواصل الخادمة مع السماسرة يهيئون لها المهرب للوصول إليها وهو جزء لا يتجزأ من عصابتهم وبالتالي يأخذ السمسار نسبة والمهرب نسبة من عملية التهريب وبوصولها تصبح حرة طليقة وتعمل في الاتجاه الذي تربح منه اكثر.
منح الثقة يسهل الجريمة
ويتأسف النقيب عبد الرحمن على حال بعض المواطنين ممن يثق في الخادمة ثقة عمياء ويعطيها الحرية المطلقة بالدخول إلى أي مكان في المنزل حتى غرفة نومه والتعرف على كل الأشياء مما يسهل لها السرقة والهرب فلذلك لا بد من الحذر وهناك الكثير من القضايا وجدنا أن رب المنزل كان سببا في حدوث سرقات في منزله من قبل الخادمة وهربها بسبب إعطائها كل الصلاحيات وحينها يشعر بالندم.
20 ألف هاربة سنوياً
في حين كشفت إحصائيات الهروب أن المملكة تخسر مليارات الريالات من جراء ما تسببه تلك الظاهرة» حيث تقدر حجم العمالة المنزلية (الخادمات) التي تصل السعودية سنوياً بنحو 400 ألف عاملة، وتبلغ تكاليف وصولهن أكثر من أربعة مليارات ريال، ويهرب منهم ما بين 3 و5 في المائة سنوياً بما يعني أن الهاربات بحدود 20 ألفاً سنويا.
وكشفت الإحصائيات أيضاً أن عدد الخادمات في البلاد يناهز 1.5 مليون عاملة، وتبلغ تكلفة الاستقدام بين 8500 وعشرة آلاف ريال، ويعني ذلك أن سوق الاستقدام للخادمات في السعودية في حدود 15 مليار ريال سنويا، بينما تصرف العائلات السعودية أكثر من 12 مليار ريال سنوياً كرواتب شهرية لهن.
سرعة استخراج التأشيرات
رئيس لجنة الاستقدام بغرفة جازان وعضو اللجنة الوطنية للاستقدام بالرياض الأستاذ محمد بن ضيف الله الخواجي أوضح أن هناك الكثير من العوامل أدت إلى استفحال ظاهرة الهروب تأتي في مقدمتها توافر المكان لإيواء الخادمة الهاربة وتشغليها من قبل المواطنين لسد حاجتهم للخادمة، وهذا الأمر لا يخفى على الجميع ولكن تأخر استخراج التأشيرات وقصرها على أماكن محددة كالرياض أو جدة أو الدمام جعل الأمر أكثر صعوبة وبالتالي أخر الاستخراج لأناس ربما تلزمهم الظروف البقاء في مناطقهم إما لمرض أو إعاقة، فحينما يجد هؤلاء الناس التأخير والمماطلة يتجهون إلى الخادمة المؤقتة إذا لا بد من فتح استخراج التأشيرة من أي مكان خاصة ان هناك نظاما إلكترونيا موحدا.
توحيد الأنظمة
ويرى الخواجي ضرورة التكاتف من جميع الجهات الأمنية بوضع عقوبة موحدة وثابتة على الطرفين سواء الكفيل أو الخادمة في حالة إخلال أي منهما بحقوق الآخر وبالتالي يضمن كل حقوقه.
وبين أن إتاحة الفرصة للشركات بعد قرار وزارة العمل مؤخرا بذلك يحتاج إلى وقت طويل حتى نرى ثماره ويعتبر من الحلول طويلة الأمد، بينما الأمر يحتاج إلى حلول وقتية لا بد من تطبيقها حتى يتهيأ الوضع لقيام الشركات على أسس سليمة.