غداً أو بعد غد بإذن الله، يحلّ بساحتنا موسمٌ جديد من الفرح، هو عيدُ الفطر المبارك، أعاده الله على أمتي وبلادي، قيادةً وشعباً بالخير والأمن والسلام.
**
* ولعيد الفطر المبارك في خاطري نكهة خاصة من الفرح تميزه عما سواه من المواسم الأخرى، سبَبُ ذلك ارتباطُ هذا الموسم وِجْدانياً بفترة غالية من عمري، هي فَترةُ الطفولة الأولى فـي رُبَى عسير الخير، رغم ما غَشِيَ هذه الفترةَ من كبَدِ الحرمان وغُصَصِ الألم! وتصف السطورُ التالية جُزْءاً من (مراسم) استعدادي للعيد طفْلاً، واحتفائي به احتفاءً فيه من براءة الطفولة وعفويتها وتلقائيتها ممزوجة بعشق الأرض التي قُدَّر لي الميلادُ بها قَدرٌ كبير!
**
* كان العيدُ فـي مهْدِ طُفُولتي قرية (مِشَيَّع) ذات زمان.. فَرَحاً كلَّّه، أولَه وأوسطَه وآخرَه!
* كانت فرحتُه.. مطرزةً بالعَفْويّةِ والطُّهرِ والجَمَال!
* كان كابتسَامةِ الطِّفل.. براءةً..
* وكعزفِ المطَرِ.. عُذُوبةً..
* وكإشراقِةِ الفَجْر.. ضِيَاءً..
**
* كنتُ وأتْرابي من أْطفاَل القرية فـي ذاتِ الزمانِ والمكانِ نَفْرحُ بالعيدِ.. لكنه ليسَ كَفَرح أهلِ هذا الزمانِ والمكانِ!
* يومئذٍ.. كانت النّفوُسُ عامرةً بالحبِّ.. وكانت القلوبُ غامرةً بالقَنَاعةِ.. وكانت العُقُولُ نقِيةً من الإثْرةِِ والطَّمَعِ وحبَّ المال حبّاً جماً!
**
* كنّا نَفْرحُ بالعيدِ.. لأنه موسِمُ فرح ولا شيءَ سِوَى الفَرح، ولأن وعيَنا بما حَولَنا.. ومَنْ حولِنا من أهل الأرض لم يكن يتجاوزُ حُدُودَ القَرية التي كانتْ تحتَضِنُ ابتسَاماتِنا وأحلامنا وآهاتِنا وخَفَقاتِ قُلوُبنا الصغيرة!
**
* لم تكنْ هناك صُحفٌ تنغّصُ هناَءَنا بـ(وجْباتِ) الحُزْن اليومي من كلَّ مكان، القريبِ منه قَبْل البَعيدِ!
* ولم تكنْ هناك (فَضَائياتٌ) تربطُنا بـ(موَّال) الحَدَثِ السياسيّ المريعِ منه والسَّخِيف.. لحْظَةً بلحظة! أو تداعبُ غَرائزَنا (فقّاعاتُها الدرامية)، من شرقيةٍ أو غربيةٍ، فتُلهينا عن أنفسنا ومَنْ حولنا.. وقد تصبحُ هي حديثَ يَومِنا وساَعتِنا.. بل ولحْظَتِنا! كُنَّا (نجْهلُ) الكثيرَ مِمّا تلدُه الأيامُ الحُبْلى من الخطوب في كل مكان!
* ولذا: كنَّا أنْقَى سَريرةً.. وأصْفَى بَالاً.. وأسعدَ وجداناً!
**
* ثم يأتي العيدُ.. فُتتَجَدّدُ بقدومه في أفْئدتِنا لهفةُ الاجتَماع بسَببه: فرَحاً ومشاركةً وحضُوراً! عندئذٍ فقط يغََدَو العيدُ.. حديثَ ساعتِنا ويومنِا.. بل ولحظِتنا!
**
* اليومَ، يذهبُ المرءُ مِنَّا يومَ العيد لزيَارةِ قَريبٍ أو صَديقٍ فـي بعضِ مُدنِنَا أو قُرانَا.. فإذا هي قَفْرٌ.. أو شبهُ قفْر، وإذا المنَازِلُ تْفتَرِشُ الصَّمتَ وتتدثّر بالكسل! وإذاَ الطُّرقَاتُ.. تسْتسْلمُ لوَحشِة الراكبِ والسَّائِر.. وعَابر السبيل! وتَتسَاءلُ في عَجِب: أيْنَ ذهبَ النّاسُ ؟ فيرتَدُّ إليك الصَّوتُ وهو حَزيَنٌ قائلاً: (إنهم نائمون)!.. نعم.. نائمون.. نائمون.. رغم أن اليومَ عيدٌ!
**
وبعد..،
* فإننّي بهذه الكلماتِ المعْدُودَاتِ.. لا أنْعِي فرحةَ العيد.. فهو أسْمَى من ذلك وأبقى، وهو فرح لمن أراده فرحاً، بل أنْعِي فهمَنا له.. وتَعامُلَنا معَه، وتفريَطنا بإشْراقةِ النفِس فيه وصَحْوتِها من هواجس الركض اليومي في دروب الحياة!
والحمد لله من قبل ومن بعد.