ونحن نودع شهر رمضان الكريم لا بد لنا أن نتأمّل بصدق وشفافية ما الذي كسبناه أو خسرناه في هذا الشهر الفضيل، وماذا عن وعود أطلقناها قبل حضوره دون أن نحقق منها شيئاً.
أبرز ما يلفت الانتباه في رمضان هذا العام هو صحوة العالم العربي واستيقاظه وإعادة رسم تفاصيل حياته من جديد، ولا سيما ما ينعكس على وضعه الحياتي الذاتي من مطالب تحسين سبل المعيشة وعلاقاته مع العالم، أضف إلى ذلك علاقته بهذا الشهر الكريم الذي باتت تحاصره فكرة النهم المادي واللهاث الإعلاني وما تدبجه الشاشات الفضية أو اللازوردية من برامج تحطب في ليل وبلا حبل.
أمر آخر أن شهر رمضان جاء سريعاً - أو هكذا يبدو لنا - لكثرة ما تم تذكيرنا به من خلال الإعلان الذي يُراد له - للأسف - أن يكون حالة استثنائية في مجال ترويج المنتجات الاستهلاكية فحسب، فقد كاد البعض إزاء ذلك أن يستبدلوا نعته من شهر الغفران إلى شهر الإعلان.
وعلى الرغم من أن رمضان المبارك مثله مثل الشهور الأخرى، إلا أن له سمة مميزة أنه شهر القرآن، إلا هناك من جعله يخرج عن هذا المشهد النقاء إلى مشاهد أخرى لا تمت لروحانية الشهر الكريم، إذ لا رابط بين رمضان وصيامه وقيامه بما قد يقدّم كتسلية أو ترفيه يُراد من خلالها المتعة والفائدة.
الوجه الآخر من غيابات رمضان هو أن ألعابه القديمة قد اختفت ربما إلى غير رجعة، فباتت ترد على هيئة مشاهد زاهية، ولمجرد تنشيط الذاكرة على نحو شدو الصغار في أهازيج القريقعان إلا أنك تستشعر خلوها من هاجس البساطة والعفوية، بل غابت ليالي المسحراتي المنكهة بالصوت الجميل، وصمت الحكواتي عن سرد قصص معتقة بالبراءة والجمال.
** قبل رحيل رمضان غاب قرب نخلة شمالية الوالد المزارع عبد الله الجازع - رحمه الله- فكأن رمضان الجميل أراد أن يصطحب معه في الغياب أروع الأحبة، ليرحل صائماً وهو يتحسس بيديه رطب «الصويري»، فلله ما أعطى ولله ما أخذ، فنحسب أن الصائم وصريع النخلة عند الله شهيداً.
hrbda2000@hotmail.com