هذي الحياةُ، مكانُها وزَمانُها
بيد القضاء قد استقرَّ عِنانُها
والله يقضي ما يشاء بأمره
فيها، فيكشفُ سِرَّها إعلانُها
هذي الحياةُ بمُرِّها وبِحُلْوِها
دارٌ، يقوم على الرَّدَى بُنيانُها
مطموسةُ العينين إلا حينما
يسمو بها عن لَهْوِها قُرْآنُها
مقطوعةُ الكفَّين إلا حينما
يجري على إنصافها ميزانُها
للموت فيها وقفةٌ يُصْلَى بها
حيوانُها، أو إنْسُها، أو جَانُها
هي ساحةٌ ما اجْتَازَها خُبَراؤها
أبَداً، ولا بلغ المدى فُرْسانُها
يتسابق الفُرسانُ في ميدانها
مُتنافِسين، وقَبْرُها ميدانُها
هي ذاتُ حُسنٍ باهرٍ، لكنَّها
ما زال يُعْقَدُ للفناء قِرَانُها
هي كالصَّحارى القاحلات، سَرابُها
كالوَهْم، يُسْرِعُ نحوه ظَمْآنُها
لمعانُها البَّراقُ يخدع غافلاً
فَلَكَم أطاحَ بغافل لَمعَانُها
قالتْ، تُبادِرُ بالسُّؤال صَباحَنا:
ما بالُ نفسِكَ، هَزَّها بُرْكَانُها
فأجبْتُها: عُذْراً، فنفسي لم تَزَلْ
تجتاحُها في صَمْتِها أشْجانُها
ما زِلْتُ في فَلَكِ القصيدة دائراً
تنَدْاحُ بي، ويَلُفُّني دَوَرانُها
ما زال في ثَغَر القصيدة ناطقٌ
يبدو به للناظرين عِيَانُها
لمَّا وقَفْتُ على الرياض مُصَبِّحاً
فيها الصَّباحَ، تنَّهدتْ أوْزَانُها
ماذا أصابك يا قصيدةُ، هل جرى
خَطْبٌ ودارَ مع الرَّحى طحَّانُها
نظرتْ بأدْمُعِها إليَّ وقد جرى
شلاَّلُها، واغرورقَتْ أَجفانُها
وقفَتْ على باب السكوت حزينةً
وأشار لـ»العَوْدِ*» القريب بنانُها
قالت: ألستَ ترى الرياضَ كدَوْحةٍ
مالتْ بثِقْلِ هُمومِها أَغصانُها
باتتْ على ألم الفِراق، كأنَّها
ثكلى تشبَّعَ بالأسى وُجدانُها
فقدتْ عزيزاً طالما أنِسَتْ به
وجرى إليه مع الوفاء حَنانُها
كانت تَراه يعودُ من أسْفاره
متبسِّماً، فيغرِّدُ استحسانُها
واليومَ عادَ كما تعود غَمامةٌ
تَهْمِي، ولكنْ دَمْعُها هتَّانُها
بالصَّمْتِ قابلَ شوقَها وحنينَها
حتى تلَعْثَمَ بالحروف لِسَانُها
ما عادَ يسمع بوحَها وحديثَها
أبداً، ولا تُصْغي له آذانُها
تبكي الرياضُ وللأماكن حُرْقَةٌ
قَدْ لا يُحِسُّ بِلَفْحِها سكَّانُها
أقصيدتي، مَهْلاً فإنَّ مشاعري
لَتَفِيضُ حتى تختفي شُطْآنُها
أشْعَلْتِ في أعماق قلبي جَمْرَةً
حتى تصاعَدَ بالأنين دُخَانُها
إني أقول وفي التَّصبُّرِ نِعْمَةٌ
كُبْرَى يُدِيْمُ بقاءها شُكْرَانُها
ما اغتَّر بالدنيا الحكيمُ، وإنَّما
تَغْتَرُّ نَفْسٌ قادَها شَيْطانُها
من كان بالدنيا خبيراً صدَّها
عن قلبه مهما تعاظمَ شَأْنُها
لو أنها دامتْ لحيٍّ ما مضى
فِرْعَونُها عنها ولا هامانُها
ولظلَّ فيها الأنبياءُ وخُلِّدوا
وترسَّخَتْ من دُورهم أركانُها
لولا حَقارةُ هذه الدنيا، لَمَا
برَدَتْ على أكبادنا نيرانُها
لو أنَّها دامتْ لمن سبقوا لَمَا
تَرَكتْ شَغافَ قلوبنا أَحْزانُها
قولي لأهداب الرِّياض ودَمْعِها
وقد اشتكى ألمَ الفِراق جَنَانُها
ما غابَ من سُلْطَانَ إِلاَّ جِسْمُهُ
عَنْها، لذلكَ لم يَغِبْ سُلْطَانُها