أثبت استطلاع أعدّ عن فئة ليست بالقليلة عن التجار ورجال الأعمال في العالم أن ما يقارب (35%) منهم لا يثقون في أبنائهم، ولا يأتمنونهم، أو لنقل لا يطمئنون على إدارة ثرواتهم وممتلكاتهم، والطريف في التقرير أن درجة الثقة والاطمئنان ارتفعت في الدول الآسيوية، والشرق الأوسط بالذات عن غيرها من الدول في قارات العالم الأخرى، ومن المؤكد أن للتربية الدينية أثرا كبيرا في ذلك التفاوت، وإن لم يشر إليها في التحليل، أو الاستنتاج، وإذا كانت الثقة قد تدنت على هذا النحو في محيط الأسرة الواحدة فبدون أدنى شك أنها ستقل بطبيعة الحال بين رجل الأعمال وبين الآخرين ممن يعملون معه.
* ملمحٌ آخر أشار إليه التقرير أن ما يقارب من (45%) ممن اكتسبوا ثرواتهم بالميراث لا يجدون فيها تلك المتعة، أو السعادة، خلاف أولئك العصاميون الذين جهدوا وجاهدوا في الحصول عليها.
* ليس لدي في الواقع اطلاع أو استقصاء، أو رصد دقيق عميق عن ظاهرة عدم الثقة، هل هي وليدة هذا العصر، ونتاج الثقافة والحضارة المعاصرة الذي ينمّ من ضمن ما ينمُّ عن تفكك ببعض الأسر، وخلل في التربية، وضعف الترابط الاجتماعي، وفي بناء الشخصية، أم أن تلك مشكلة أزلية متجذّرة عبر التاريخ، وهذا هو ما يبدو لي، وقد تكون هناك أسباب اجتماعية أخرى أدت إلى هذا التدهور، وربما الراصدون لسير إعلام هذه الفئات قد وقفوا على شيء من ذلك، وربما غيرنا قد وقف على حالات كان الأبناء سببا في انهيار ثروات الآباء.
* قصص وأحاديث كثيرة نسمعها بين الحين والآخر عن خلافات كبيرة متعددة ناتجة عن إدارة الثروات، سواء ممن كان آباؤهم على قيد الحياة، أو ممن انتقلوا إلى الحياة الأخرى، والقليل من الناس من يتعظ، أو يعتبر من سياقات الحياة.
* كما أن (المال والبنون زينة الحياة الدنيا)، فإنهما في الوقت نفسه، وفي حالات كثيرة تنقلب زينتهما إلى عدو يتربص بالإنسان، ويتحين الفرص لإيذائه والإيقاع به بأي سبب كان، ومن هذا الإشكالات والحالات المقررة في مصادر التشريع (الكتاب والسنة) تبدو بعض الخلافات في إدارة المال وطرق استثماره والتي تتفاوت نسبتها ما بين عائلة وأخرى.
* تربية الاعتماد على الذات، والثقة في النفس منذ الصغر، وعبر وجوه كثيرة أومأت إليها مؤلفات التربويين وعلماء النفس واستطلاعاتهم، أقول تلك الإيماءات هي الأساس التي يمكن أن تتغير فيها تلك المؤشرات، وتستمر معها - بعد توفيق الله - الثروات ممتدة في نسل الإنسان، محافظة على محيطه الاجتماعي القريب من أي انقسام، أو تشرذم، أو إفلاس، أو تراجع، ولا أدري هل أولئك النفر من أرباب الأموال - على تقدم أعمار بعضهم - يحتاجون إلى برامج توعوية وتدريبية تلامس تربية الأبناء، وعلاقة التربية الصحيحة بتحمل الابن مسؤولياته ومهامه أمام الله، ومجتمعه، ووطنه؟ أم أن ذلك من ضروب المستحيلات، والكل في ماله راضٍ بما يمليه عليه عقله وتفكيره، مهما كان المصير والعاقبة في هذا الشأن.
dr_alawees@hotmail.com