ماذا تبقى من الصحف الورقية والإلكترونية؟ وماذا تبقى من القنوات الفضائية في زمن ثورة الإعلام الجديد؟ هل وسائل الإعلام التقليدية القديمة ستعيش كثيرًا؟ أسأل وأنا أكتب في جريدة ورقية، متسائلاً عمَّا يحدث في العالم الافتراضي من نقلات مخيفة، سواء على مستوى المكتوب أو المرئي!
هل ما زال ذلك القارئ في إحدى قرى البلاد وهجرها، يكتب رسالته وشكواه من الخدمات في الهجرة تلك، ويضعها في صندوق البريد، كي تصل إلى مبنى الجريدة، وليحلم طبعاً أن تنشر رسالته تلك في صفحات القراء، بل حتى إلى زمن قريب، كأن يرسل القارئ مشكلته عبر الإيميل وينتظر ويحلم أن تجد مكاناً لها في الجريدة أو التلفزيون مثلاً.
أشعر الآن، أن لكل مواطن عربي جريدته الخاصة، متمثلة في صفحته في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، فهو المحرر والمخرج الفني ورئيس التحرير، هو الكاتب والرقيب، تماماً كما أن لكل مواطن عربي أيضاً قناته الفضائية التي يعبّر فيها كما يشاء، متمثلة في (يوتيوب)، يصوّر ما يريد ويضعه في هذا الموقع أمام الملايين، يصوّر دون خطوط حمراء ولا بنفسجية، هو معد النشر وهو مقدمها.
الغريب في الأمر، أن متابعي الصحيفة الورقية في أحسن الحالات لا يتجاوزون المائة والخمسين ألف قارئ، لكن متابعي بعض الوجوه الإعلامية المعروفة في (تويتر) قد يتجاوزون أحياناً الخمسمائة ألف متابع، بل إن من يتابع الملكة الأردنية علياء، على سبيل المثال، تجاوزوا المليون متابع، فلنا أن نتخيّل كيف أن كلمة من مائة وأربعين حرفاً (وهي المساحة المتاحة لتغريدات تويتر) ستصل إلى مليون قارئ في ضغطة زر، أليس الأمر مذهلاً؟ على سبيل المثال، كم صرفنا من الوقت والجهد والمال على مؤتمرات محلية، كمؤتمر الحوار الوطني؟ وكم عدد الضيوف الذين تتاح مشاركتهم في الحوار؟ خمسون؟ مائة؟ تخيّل - عزيزي القارئ- أن المتحاورين في قضية وطنية يمكن أن يصل عددهم إلى نصف مليون نسمة! وأحياناً أكثر من ذلك، وكأنما هو حوار شعوب، لا حوار نخبة، والشعوب تأتي بمعجزات يصعب تصديقها، والدليل على ذلك ثورات العام الجاري 2011م.
فماذا تبقى من ثورات إلكترونية للأعوام القادمة؟ لا أحد يستطيع أن يتخيّل، تماماً كعدم قدرتنا على تخيّل ما حدث من أحداث الربيع العربي، فلو سألت أحدكم في مثل هذا الوقت من العام الماضي 2010م عمّا يتوقّع لعام 2011م، لن تكون توقعاته، مهما كانت تنبؤاته، أن تسقط أربعة أنظمة حاكمة في العالم العربي. أحد المواطنين كان لديه طفل يعاني من شبه فقدان للبصر في عينه اليسرى، وبعدما تعب من مراجعة المستشفى، وتبيَّن له عجزهم عن معالجة حالته، بقي أكثر من سنة يتوسل تقريراً منهم عن إمكانية علاجه في الخارج، دون فائدة. فقام بتصوير مقطع مؤثّر جداً، تحدث فيه عن قضيته بكل وضوح وشفافية، ووضع المقطع في الـ(يوتيوب).
مواطنة أيضاً، تعرضت إلى تعثر حلمها بالحصول على بعثة علمية، لعدم توفر المحرم، فقرَّرت أن تستعين بالسيد (تويتر) وغرَّدت بمشكلتها، حتى أصبحت في كل عش من أعشاش المغردين الآخرين.
ففي القديم حلم الإنسان أن يطير، دون أن يظن يوماً أن التغريد مهم أيضاً، ها هو الآن يغرّد بطريقة رائعة، ها هو وقد استحال عصفوراً، قد لا يطير، لكنه يغرّد، وهذا هو الأهم.