للمرة الثالثة، اختارت مجلة «فوربس» الأميركية، - الملك - عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله -، ضمن قائمتها للشخصيات الـ «70 « الأكثر تأثيراً، ونفوذاً في العالم. بعد أن استندت إلى تقويم استطلاعي بالغ الدقة، شمل سبعين شخصية؛ ليكون اختياره في أوائل القائمة العالمية، بسبب انتهاجه طريقاً - إصلاحياً معتدلاً -، شمل مناحي الحياة في المملكة العربية السعودية، منها: صدور قراره بمشاركة المرأة في مجلس الشورى عضوا وأحقيتها بترشيح نفسها لعضوية المجالس البلدية، وأحقيتها - أيضاً - في المشاركة في ترشيح المرشحين، - إضافة - إلى إنفاقه أكثر من مائة وثلاثين مليار دولار على مشروعات اجتماعية، ومشروع - الملك - عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم العام.
يتحدث الناس عن واحد من عظماء الرجال في العصر الحديث، وقائد إصلاحي - فذ - بكل المقاييس، تميّز بإرادة سياسية، وحنكة اقتصادية، لم تكن معهودة في عهده. فاستطاع في زمن قياسي، ووفق معطيات علمية، وإحصائيات دقيقة، أن يكون سادس أقوى شخصية في العالم، من ناحية التأثير على مستوى الأحداث - الداخلية والخارجية -، كما جاء في تقرير «فوريس» العالمي، وصحف دولية، ومجلات عالمية؛ ليكون ضمن قائمة الزعماء، والقادة الأكثر تأثيراً من حيث الاستقامة، والصراحة، والوضوح.
وعندما يكتب التاريخ عن رجل ينتظره، فسيكتب عن صاحب مشروع الإصلاح، وتقديم المبادرات، الذي يقوده منذ سنين - عدّة -، فقام بوضع خرائطه، ورسم خططه، بآليات متنوعة، وتقديرات متوقعة؛ من أجل رعاية شعبه بغطاء شامل، تحت قيادة ملك اسمه: عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، الذي وهب جهده وعمره؛ لخير بلده، والتصدي لكل عمل يعيق مسيرته.
لا ينكر منصف أنّ الإصلاحات الشاملة، والتطوير المستمر في المملكة للأنظمة، والقوانين، قد شملت عدداً من المجالات التنموية. وهي تسير حسب متطلّبات، واحتياجات المجتمع السعودي، وتحقق نجاحاً ملموساً، مع الحفاظ على ثوابت المجتمع، وما يتمتع به من عادات، وتقاليد، وشمائل موروثة قيمة، واجتناب ما يخل باستقراره، وأمنه.
منذ عام «2001 م»، وأنا أتذكّر جيداً: كيف أنّ المملكة شهدت حراكاً - إصلاحياً واضحاً -، جعلتها تتبوأ مراتب متقدمة بين دول العالم، وهي سياسة فاعلة تأتي - بلا شك - امتداداً للرؤية الحكيمة، وبُعد النظر في ذات الوقت - للحاضر والمستقبل -، التي راعت خصوصية المجتمع، دون أن تنال من تماسك بنيته الأساسية.
هذه الإصلاحات، - كانت ولا تزال - محل إعجاب من هم في الخارج قبل الداخل، كونها شملت الشأن الاجتماعي والبيئة التنظيمية. بل لا أبالغ إن قلت: إنّ هذا التقدير كان عالمياً، بعد أن لفتت انتباهه بسبب هذه الجهود الإصلاحية, والتي تُعتبر جسر العبور نحو بناء الدولة، والإنسان، فأينعت ثمارها، وأعطت تباشير نجاحها. واقرأ على سبيل المثال، إشادة الباحث، والمفكر الروسي - البروفيسور - غريغوري كوساتش، وهو باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة موسكو، ومؤلف كتاب: «تطوُّر السياسة الخارجية السعودية - من تأسيس الدولة إلى بداية الإصلاحات -»، بمساعدة - الباحثة الروسية - يلينا ميلكوميان، أستاذ العلوم السياسية بجامعة موسكو، عندما أشادا بالتطوُّر الذي تشهده السياسة الخارجية للمملكة، الذي دأبت عليها منذ عهد - الملك المؤسِّس - عبد العزيز بن عبد الرحمن - رحمه الله -، حتى عصرنا الحاضر، وأبديا إعجابهما بالإصلاحات الداخلية، التي شهدتها المملكة في عهد خادم الحرمين الشريفين - الملك - عبد الله بن عبد العزيز.
مرة أخرى، فقد أشار التقويم الاستطلاعي لمجلة «فوربس» الأميركية إلى أمرين مهمين، أحدهما: صدور قرار خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله -، بمشاركة المرأة في مجلس الشورى عضواً، وأحقيتها بترشيح نفسها لعضوية المجالس البلدية، - وكذلك - أحقيتها في المشاركة في ترشيح المرشحين. أما الأخرى، فهي إنفاقه أكثر من مائة وثلاثين مليار دولار على مشروعات اجتماعية، ومشروع - الملك - عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم العام.
فتح المسارات .. لتطوُّر حضاري طموح
ذات مرة شدّد ولي العهد - الأمير - نايف بن عبد العزيز، وبشكل قاطع على أنّ: «قرارات - الملك - عبد الله - الخاصة - بتمكين المرأة من المشاركة في عضوية مجلس الشورى، وفي المجالس البلدية - كناخبة ومنتخبة -، هي قرارات ذاتية بصفة مطلقة، وليس لأي وضع خارجي، أو جهة خارجية أي دور بها، لا من قريب، أو من بعيد، وإنما هي قرارات تخدم الوطن، والمواطن بشكل واضح، وتفعل مشاركة المرأة في التنمية»، وهو ما يعني: أنّ الإصلاحات لا تأتي في سياق التأثير الخارجي، أو كأنها رد فعل للأحداث الطارئة من حولنا، وإنما تأتي وفق التطور الداخلي للسعودية، واستكمالاً للخطط التنموية المستقبلية؛ لتحقيق الأمن لمسيرة هذا الوطن، ودعم نموه المستدام، - إضافة - إلى تحقيق الرفاهية لأبنائه المخلصين، والارتقاء بهم، وزيادة فاعليتهم - داخلياً وخارجياً -.
على أي حال، فإنّ قراراً يتيح للمرأة المشاركة في عضوية مجلس الشورى بالمملكة، اعتباراً من الدورة القادمة، ويمنحها الحق في الترشح لعضوية المجالس البلدية، وكذلك الحق في ترشيح المرشحين بضوابط الشرع الحنيف، هو قرار حكيم، - لاسيما - وقد صدر بعد إجراء مشاورات عديدة مع جملة من علماء الشريعة في هيئة كبار العلماء، وخارجها. وهو يندرج ضمن متطلّبات، واحتياجات المجتمع السعودي في المرحلة الراهنة.
وللحديث صلة، عندما ضرب وزير العدل - الدكتور - محمد العيسى، مثلاً: يدل على سعة هيئة كبار العلماء في تطبيق قواعد الشرع، فعندما عُرض عليهم - قبل سنوات - موضوع تدوين الأحكام القضائية - المسمى - بـ «تقنين الأحكام»، صدر من الهيئة قرار في ذلك الوقت بعدم الجواز، ثم عُرض الموضوع نفسه - قبل - سنة ونصف السنة؛ لاعتبارات جدّت، وسياقات طرأت، فصدر من الهيئة قرار: بجواز تدوين الأحكام القضائية وفق ضوابط، وآلية معينة، رُفع بها إلى ولي الأمر.
مناسبة ما سبق، هو الإشارة إلى حديث وزير العدل - لصحيفة الحياة -، يوم الخميس الموافق: 1-11-1432 هـ، عندما تحدث عن جواز مشاركة المرأة عضوة فاعلة في مجلس الشورى، بدليل أنه: «تمّت مشاورة العلماء، وبحسب معلوماتي من زملائي في هيئة كبار العلماء، ومن خارج الهيئة، فإنّ غالبية أعضاء الهيئة أيّدوا هذا القرار، ومن سواهم لا يعني أنهم خالفوا، فقد يكون بما تطمئن إليه النفس من رأي - خادم الحرمين الشريفين - نحو هذا الرأي، ولا يعني: أنّ هناك بقية مخالفة في ما أعلم، ولكن هذا القدر الكافي في الأغلبية، وفيمن أعلم، ومن حديث أشياخي قامات، ومرتكزات في الهيئة، باركوا هذه الخطوة، ووافقوا عليها».
إنّ تغير الفتوى في المسائل الفرعية، بما يتلاءم مع اختلاف الزمان، والمكان، والأعراف، دليل على قوة الفقه الإسلامي، وتجدد حيويته بمسايرته ظروف العصر، ومصاحبته نهوض الأمة. وهذا يؤكد، على: أنّ الشريعة التي جاءت بسد الذرائع، جاءت - أيضا - بفتحها، وهو ما يطلق عليه لفظ: «الوسائل»، بشرط أن تكون المصلحة شرعية، وفق ضوابط الشريعة، وخصوصياتها.
إلا أن ما لفت نظري في حديث - معالي وزير العدل -، هو موضوع باب سد الذرائع، وعلاقته بالخطوتين السابقتين، فعندما سُئل عنه، قال: «هذا موضوع طويل جداً، ويمكن أن نختصر هذا القول، بأنه: إذا كانت الذريعة تفضي إلى المفسدة في جميع الأحوال، بشكل قاطع في الغالب الأعم، فإنها تسد بالإجماع، وإذا كانت تفضي إلى المفسدة - نادراً -، فإنها ملغاة بالإجماع، وإذا كانت الذريعة تفضي إلى المفسدة - غالباً -، فإنّّّّ في هذا خلافاً بين أهل العلم، فالمالكية: هم من شدد في باب سد الذرائع، وكذلك يرى رأيهم الحنابلة، ويرى الحنفية، والشافعية: أنّ هذا الأمر يرجع إلى الاجتهاد، فيعاير المفتي، والحاكم المصلحة، وهي تختلف من ناحية عوائدها، ومن ناحية الاستشراف، ومن ناحية القرائن، والأحوال، فيقدر المصلحة». - ولا شك - أنّ ما ذكره معاليه؛ هي من القواعد الكلية، التي تسهل على العلماء معرفة أحكام المسائل المستجدة على أرض الواقع، عن طريق ثبوتها باستقراء أدلة الكتاب، والسنة في جميع أبواب الشريعة - عقائد وعبادات ومعاملات -، وغير ذلك.
إن اعتبار هذه القاعدة بسدها، أو فتحها، لا يكون إلا بتوثيقها لمبدأ المصلحة. وهي وإن كانت من القواعد المختلف فيها، من جهة اعتبار - كونها - دليلاً شرعياً، يصح بها التحليل، والتحريم، إلاّ أنه - وبالاستقراء - يتبيّن للعالم، أنّ موارد التحريم في نصوص الكتاب، والسنّة، منها: ما هو محرّم تحريم المقاصد، ومنها: ما هو محرّم تحريم الوسائل.
من جانب آخر، فإنه لا يمكن أن نحقق المصالح، وندرأ المفاسد إلا بتحقيق أصل الذرائع، وإتقان إيجادها في كل ضرورة من الضرورات الخمس، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والمال، والعرض، بحسب ما تقتضيه حال كل ضرورة. وهذا هو الأساس الذي قامت عليه الشريعة الإسلامية؛ لتحقيق مقاصدها من جلب المصالح، ودرأ المفاسد، وما كان خلاف ذلك، فإنّ الشرع لا يقر إفساد أحكامه، أو تعطيل مقاصده، - ولذا - فإنّ رجوع هذه القاعدة إلى أصل اعتبار المآل، الذي قامت الأدلة الشرعية على تأكيدها، كاف في اعتبارها، والتفريع عليها.
إنّ قاعدة «سد الذرائع»، قاعدة ثابتة في الشرع، والعقل. وهي من طرق الاستدلال التي تضافرت أدلة الشرع على تأييدها، وشواهدها في الشرع أكثر من أن تحصر، بشرط أن تتوافر فيه شروط العمل به. وعندما يؤكد - معالي وزير العدل - تفريعاً على هذه القاعدة، وربطاً بموضوع مشاركة المرأة عضوة فاعلة في مجلس الشورى عن طريق مشاورة العلماء المعتبرين، فهذا يؤكد أنّ أهل الذكر الواعون بالوقائع، والمآلات، من الذين تحكمهم المصلحة العامة، هم من يحسنون الربط بين المتماثلات، والفرز بين المختلفات، والموازنة بين المصالح، والمفاسد عند التعارض، فإن كانت المفسدةُ أقوى، وجبَ درؤُها، وهذا ما يُسمَّى بـ «سدَّ الذرائع»، وإن كانت المصلحةُ أقوى، وجبَ اختيارُها، وهذا ما يُسمَّى بـ «فتح الذرائع»؛ لكن دون التوسع في سد الذرائع، حتى لا يؤدي هذا التوسع إلى إيقاع الأمة في الحرج.
حضور فاعل .. في معادلة التنمية البشرية
إذا كانت عملية الإصلاح، عملية متكاملة، فإنّ العصر الذي نعيشه، هو عصر التغيير نحو الأفضل - بلا شك -. وترجمته على أرض الواقع - التزاماً وعملاً -، وتأسيس أشرعة؛ من أجل مزيد من التطور والتقدم، وذلك وفق توازن لا يخل بما حققناه من منجز، ومشاريع تنموية، وصروح علمية، يمثل حصناً منيعاً؛ لحماية الوطن، ومكتسباته.
وكلما تذكّرنا منجزات التنمية - الاقتصادية والاجتماعية -، التي تحققت في بلادنا؛ لتشكل فصلاً قائماً - بذاته - في سجل منجزات هذا الوطن. فإننا نتذكّر رؤية - خادم الحرمين الشريفين -، التي لا تزال تتجلّى كل يوم، عبر ما أنجزه من مشروعات - نماء وعطاء - للوطن، والمواطن. وتتجلّى كل يوم في كل محفل، عبر المسؤوليات، والمشاركات الفاعلة في الداخل، والخارج، كل ذلك في فترة قصيرة نسيبة. - ولا غرابة - في ذلك، فهو من ساهم في بناء الكيان التنظيمي للدولة، وإعداد أنظمتها، ولوائح عملها لجميع جوانب المهام الحكومية - دون استثناء -. وهو من رسم سياسة واضحة المعالم، للعديد من الخطط الإستراتيجية، التي باتت اليوم علامة مشرقة في تاريخ العالم. بما يتواءم مع التحوّلات العالمية على كافة المستويات، ويتماشى مع التطوّرات الحديثة للعالم المتقدم. تحديداً للهدف، وبلورة للخطط، ورعاية للمسيرة، حتى يكتمل البناء، ويزكوا العطاء.
لا زلت أذكر الأوامر الملكية العشرين، والتي شملت تعزيزات اجتماعية، واقتصادية جديدة بمليارات الريالات. - إضافة - إلى أنها حسمت الجدل حول الكثير من المسائل المتعلقة بالحقوق، والتي بقيت معلقة منذ زمن بعيد؛ لتصب في مصلحة المواطن، والوطن؛ تحقيقاً للتنمية الإستراتيجية الوطنية، ورفع المستوى المعيشي للمواطنين، وتوفير الحياة الكريمة للجميع. وهي - بلا شك - تمثل بداية جادة، وصادقة؛ لتفعيل دور الدولة بمؤسساتها، وسياساتها، والسير نحو المشروع الإصلاحي الذي يتبنّاه خادم الحرمين الشريفين - الملك - عبد الله - حفظه الله -، إذا طبقت مجتمعة، وبالشكل المطلوب.
ولأنّ ولي أمرنا ختم تلك القرارات الخيرة، بإمضاء «عبد الله بن عبد العزيز». وبعبارته التي ستحتفظ ذاكرتنا الوطنية بها: «يعلم الله أنكم في قلبي دائماً.. فلا تنسوني من دعائكم»، وهو من مثّل عطاءً تاريخياً، ومنهجاً فريداً في الإصلاح، وأساس بناء في المرحلة القادمة؛ ليؤكد على: أهمية رعاية المواطن، وتأمين الحياة الكريمة له، في عالم - كان ولا يزال - مليئاً بالتحديات، والتحوّلات الكبرى، يضاف إلى ذلك: التحديات التي خاضتها الدولة، ونجحت في اجتيازها، ومنها: الحفاظ على الوحدة الوطنية، وكل ما يصب في مصلحة المواطن، والوطن؛ ولأنّ الأمر كذلك، فسنمضي مع - خادم الحرمين الشريفين - كما كان معنا. فخورين به، واثقين بالله، رافعين أكف الضراعة إليه في هذه الأيام المباركة: بأن يوفقه لما يحب ويرضى، وأن يمن عليه بالصحة والعافية. كما نسأله - جلّ في علاه -: أن يديم نعمة الأمن، والأمان، والاطمئنان، وأن يسود الاستقرار، والسلام بلادنا.
يحق لنا بعد ذلك كله، أن نفخر بهكذا قرارات، تشمل كافة المواطنين؛ لتؤكد في الوقت نفسه على حرص القيادة على كل ما من شأنه رفاهية المواطن، وتوفير سبل العيش الكريم له. أوليس - خادم الحرمين الشريفين -، وفي أكثر من مناسبة، هو من يوصي كل المسؤولين، وفي كافة اللقاءات معهم بالمواطن، بتلمس احتياجاتهم، والعمل على قضائها ؟. ولأنّ الشيء بالشيء يُذكر، فإني - لازلت - أذكر مقالاً للكاتبة الفرنسية «لوسيل فان دير سلك»، نُشر في صحيفة «لفيغارو»، حين ختمت مقالها، بأنّ: «خادم الحرمين الشريفين، وبعد خمس سنوات من تسلمه لمقاليد الحكم، لم يعتمد أسلوب الفرقعة، والصدمات الفكرية، والاجتماعية، بل وضع المملكة من خلال الخطوات التي اتخذها على طريق الإصلاح، حيث يوافق معظم السعوديين، وبمحض إرادتهم على القول، بأن: الأشياء تسير في الاتجاه الصحيح، وأما بالنسبة لنا، فقد حان الوقت؛ لمد جسور، وإقامة علاقة مبنية على الثقة، والتعاون المفيد لكلا الطرفين».
drsasq@gmail.com