قراءة - فهد السبيعي
لا مانع بالعودة إلى الوراء أربع سنوات، و كأنها اليوم حين نقرأ ألبوما طرحه الفنان رابح صقر عنوانه (إحساس رابح 2008)، مع شركة روتانا، بعد انتظار (حينها) طويل لعشاقه، وبالمناسبة فإن رابح صقر لا يطرح عملا إلا بعد أن يصل جمهوره إلى مرحلة التعطش، وهي قاعدة ممتازة كأن يتأخر عمل (مركز) بدل إغراق السوق بأعمال يختلط فيها الغث والسمين.
وكما عوّد رابح جمهوره في أعماله السابقة، ظهر العمل مرتباً ومختاراً ومنوعاً لم يخل من الأسماء التي اعتاد صقر على الحرص على وجودها معه، سواء في نبض الكلمة أو جودة اللحن، وكان الحضور الأكبر لرابح من خلال ألحانه المتعدّدة في عمل ضم قرابة الـ 16 أغنية.
ظل هذا العمل حبيس الانتظار حتى يتم اختيار الوقت المناسب لإثراء الأسواق به، والذي بدوره (حينها) شهد تهافت محبي رابح صقر عليه، ولأنّ رابح صقر دائماً ما يمتاز بالجودة في الطرح خاصة وهو يعلم يقيناً مدى الانتظار الذي يعانيه عشاقه لجديد أعماله، فهو بلا شك حريص كل الحرص على التنويع في الإصدار لإرضاء شريحة أكبر من محبيه ما جعل ذلك (وإلى حد بعيد)، ينال الكثير من الرضا لدى منتظريه.
القائمة الكبيرة في السجل الشرفي لكتّاب وملحِّني أعمال رابح صقر شهد إطلالة جديدة لبعض من غابوا لفترات متفاوتة عن رابح، ويأتي في مقدمتهم الشاعر الأمير نواف بن فيصل، في حين ظهر أخيراً سامي الجمعان بعد غياب (ليس بالقصير) عن الظهور في الأعمال الرابحية.
(ما عاش)
من كلمات منصور الشادي وألحان رابح ظهرت أولى الأعمال بشكل حرص رابح على وجودها في الصدارة، لما تحمله من سياسة الأبيات الدارجة السهل حفظها ومنها:
ما عاش والله من يفكر يزعلك
ما جابته للحين يا عمري أمه
من عاملك بلطف لازم يعاملك
ومع كل كلام يحسبه كلمه بكلمه
ولعل الجميل في هذه الأغنية هو الأسلوب النظمي الدارج على الألسن، في أغلب الأبيات التي حوتها القصيدة ما جعل اختيار اللحن لها واضحاً ومنسقاً بالإيقاع السريع.
وضم العمل أيضاً تعاونين آخرين لرابح صقر مع منصور الشادي، فالأول من ألحان سهم (منتهى الرقة)، والآخر من ألحان صالح الشهري (تزاعلنا) التي تضمّنت كلمات سهلة وألحاناً مميزة وجمالاً بجمال الحضور الدائم للعملاق صالح الشهري في أعماله مع الفنانين.
(إحساس)
وبعمق الإحساس الذي أدى به رابح أغنيته الأم (إحساس)، جعلت منه مجبراً على وضعها أم الأعمال بعبارات رقيقة صاغها الأمير فيصل بن خالد بن سلطان ومن ألحان رابح أيضاً، فبدأها هادئاً كما أراد النص:
إحساس ما حسيت فيه بحياتي
ولا طرالي مثل هذا على البال
كلمني أكثر عنك واترك سكاتي
بتأملك وأتخيلك أجمل امال
انت الهنا وأنت العنى وأمنياتي
ويازين هالصدفه على كل الأحول
لا تكل وأنت تستمع (أو تقرأ) هذه الكلمات، إلا وتتصور نفسك أمام مشهد ممتلئ بالرقة والشعور بمصداقية الموقف من حقيقة تحدث:
طاريك يجمعني وينهي شتاتي
مشاعري لك شوق والبال ميال
أنا بقلبي شي وش السواتي
ودي أقوله بس وشلون ينقال
هي ليست نهاية الموقف إنما سرد ووصف لحكاية المشكلة التي جعلت شاعرها يضع الاستفهام المحير في ثنايا القصيدة، لجعلنا لا نعيش الخاتمة التي نريدها لمحبين كانت البداية لهما الصدفة، بل كانت النهاية أن الحب مازال يحتاج التسلّح بالصبر:
الحب ما يستأذنك يا حياتي
يلحق على راعيه بالصبر لو طال
ولم يكن هذا العمل الوحيد الذي يجمع الثنائي، بل ظهر تعاونهما في هذا الإصدار في أغنية (يا رب قدّرني) و(عيدي مبارك)، وتميز الأخير بجماليته خاصة ضمن خصوصيات الجمال التي اختصها (لذوقيتي) في عمل رابح صقر الجميل التي حرصت على الاستماع إليها لأكثر من مرة، نظراً لإعجابي بها ومنها:
عيدي مبارك فيك يا عيد الأيام
وحلوة سنيني فيك يا عيد روحي
سعادتي في شوفتك حلم الأحلام
وشعري وأحاسيس المحبة تنادي
ولأني أجزم أن هذه القصيدة كتبت لحدث معين مرتبط بحياة الشاعر فيصل بن خالد، إلا أن اختيار رابح لها دليل جازم على مكانتها العالية في جمالية المعنى وحضور النغم الجميل، ولأن مثل هذه الأغاني تأخذك إلى أفق بعيد ببساط الجمالية المليئة في جوانبها، فإني أجزم أنها ستبقى كثيراً على الألسن ومحفورة في الأذهان.
(يا هلي)
ويعود رابح صقر إلى رفيقه الشاعر زيد المليحي، كونه من أمهر ساردي الشعر النابض بالحب والمفعم بالإحساس، ليتوج تعاونه مجدداً مع الصقر في أغنية وضع لها لحناً فلكلورياً (مميزاً) هو اللون الذي يفضله محبو رابح، فكانت الكلمات بحجم الألحان لتتكون من خلاله ينابيع الجمالية الرائعة التي اشتهر بها رابح صقر.
يا هلي مشتاق للصاحب الغالي
غايب عني ومشتاق لعلومه
ساكن بقلبي ودايم على بالي
هو حبيبي وجعل يومي قبل يومه
(تكلمنا)
وتأتي عودة الشاعر سامي الجمعان بحضوره المتجدد من خلال هذه العمل العذب والمشبع بالأحاسيس العذبة، في كلمات لا يقال عنها سوى أنشودة العشاق، لما تحويه من موقف آخر من حكايات العشق التي كثر وصفها ورسمها هي وبعض مواقفها:
تكلمنا بحسن نية
ما ندري عن نواياهم
خطا ظنينا كل الناس
يحبوني ويحبونك
هو التشخيص لحالة الطيبة الزائدة التي خاضا معاً مرضها مع الناس وكانت السيرة، وهنا توقف لبرهة أمام أحمد الفهد الغائب الأكثر والحاضر الأجمل الذي رسم في سلالم الموسيقى شيئاً من العمق الجميل داخل هذه الأغنية لدرجة تعتقد بأنك أمام لحن جميل صاغه أكثر عمالقة الفن إلماماً برغبة الجمهور ومتذوقي الفن.
حسبنا الناس تهوانا
مثل ما احنا نهواهم
اثاريهم من الغيره
يحسدوني ويحسدونك
محد جانا يعلمنا
أنا وياك شفناهم
هدفهم أفقدك وأبقى
حياتي كلها بدونك
يا لجماليات هذه الأغنية هل تستمع إليها الآن .. استمع لها وانظر كيف تحملك إلى أبعاد بعيدة، تسافر بك إلى الناس وأحوالهم ونظراتهم والغيرة التي لا بد أن يرموا المحبين بها سواء بقصد أو دون قصد، لتتشكّل أمامك إحدى حكايات العشق المتعددة التي انتهت أو استمرت، لتفاجأ وأنت في خيالك إلى نهاية أغنية من أجمل أغاني الألبوم:
خسارة تنصدم في ناس
فرشت الدرب لخطاهم
وهم بأرخص تراب
الأرض يبيعوني ويبيعونك
وأمام هذه الحقيقة تشعر أن الملحن الفهد قد وقف كثيراً أمام هذا البيت، ورسم قصة اللحن الأجمل من خلاله، لأنه يحمل معاناة كبيرة للكثيرين، وجميل هو سامي الجمعان عاد وكانت عودته بحجم جمالياته:
أنا أسأل عن العشرة
وأفتش في هداياهم
تجاوبني وهي تبكي
أهم كانو يغشونك
مع نهاية هذا المقطع لك أن تقف وتصفق بعمق لرابح الذي أجاد الأداء والاختيار، ولسامي الجمعان الذي كتب قصيدة هي الأجمل له على الإطلاق، ولأحمد الفهد الموفق كثيراً في رسم اللحن الأكثر عذوبة.
(طيب الدنيا)
ويضم رابح إلى مجموعة شريطه عمله الحديث بآخر تعاون له من الأمير نواف بن فيصل (أسير الشوق)، من خلال هذا العمل الذي لحّنه رابح.
كل طيب الدنيا فينا
وكل عشق الأرض فينا
وكل ما فينا محبه
والله لا يغير علينا
وعمل يحوي 16 أغنيه لا يكاد يخلو من الأسماء المعروفة في مجال الشعر، فكان فيصل اليامي حاضراً من خلال عمل (غلطة) وألحان رابح صقر، بالإضافة إلى وجود عبد الله بو دلة في عملين (شي واحد) و(كل الأمور)، وكذلك الشاعرة العالية بلحن من سهم في أغنية (أزعل عليك)، وكذلك الشاعر سعد الخريجي في عمل (آخر الأخبار)، وأحمد الجوفي في أغنية (غرام)، ومن ألحان ياسر بو علي، غنى رابح أغنية (مسكين).
إحساس رابح 2008 عمل جيد احتاج الإعداد له الشيء الكثير من وقت وجهد لرابح صقر، في محاولة منه لإرضاء جماهيره العريضة، وإن كان من أمر فهو الكم الهائل من الأعمال يحتاج إلى إعادة نظر ليس مع رابح وحده بل مع أغلب الفنانين، كونها تقتل بعض الأعمال الأكثر جمالاً وربما شعر معها المتلقي والمستمع بشيء من الملل في تزاحم الأغاني.