لسنا الأفضل ولكننا أفضل من غيرنا»، هذه مقولة سعودية بامتياز، وهي مقولة منطقية إلى حد كبير إذا نظرنا إلى الدول المحيطة بنا، والشبيهة لنا في منظوماتها السياسية ومواردها الاقتصادية. لا أحد يزعم أنه لا يوجد قصور تجاه المواطن، ولم يقل أحد يوما إننا نعيش في الدولة الفاضلة، ولكن في المقابل يجب أن نعترف بأن لدينا عيونا ترى ما هو جميل لدى غيرنا، وتتعامى عما لدينا مع سبق الاصرار والترصد، حتى أصبح ديدنها التغني بما لدى الآخر مهما كان شبيها بما لدينا، وهذا يحدث باستمرار. عندما صدرت حزمة قرارات تهدف إلى رفاهية المواطن قبل فترة، تفاجأنا بأن هناك من استخدم كل ما هو متاح للقدح في هذا القرار أو ذاك، مع أنه هو ذاته كان يتمنى مثل هذه القرارات قبل صدورها!، وقد كنا شهودا على ذلك.
تذكرت هذه الأعين بعد البيان الأخير الذي صدر عن مجموعة من الناشطين بخصوص بعض الأحداث الأخيرة، فقد كالوا بمكيالين مختلفين لقضية واحدة، فعندما حمل متطرفو القاعدة - وهم نسبة لا تكاد تذكر من المواطنين السنة - السلاح في وجوهنا كان هناك اتفاق تام على أهمية الحزم الأمني مع هذه الفئة من منطلق أن أمن الوطن فوق الجميع. هذا، ولكن عندما رفعت قلة لا تكاد تذكر من مواطنينا الشيعة السلاح في القطيف تغير الموقف تماما، وصار هناك تبريرات وتفسيرات ومطالبات، مع أن القضية في الحالتين تتعلق بالأمن الوطني!. وفي ذات السياق، كان أحدهم يتغنى بحرية الرأي في دولتين مجاورتين، وما كاد يتوقف عن الحديث حتى صدرت أحكام قضائية على سجناء رأي في إحدى هاتين الدولتين، وتم سجن شاعر معروف في الأخرى، ثم صمت صاحبنا بعدها. نؤكد أن العدل والحرية مطلب الجميع، ونعترف بأن هناك حقوقا منقوصة، وقصورا في بعض الخدمات، وكثير من هذا يكتب في الصحف الرسمية، ويعترف به كثير من المسؤولين. هذا، ولكن المطالبة يجب أن تكون وفق الأطر الفعالة وفي التوقيت المناسب، أما ما دون ذلك فإنه قد يعقد الأمور ويوصلها لطريق مسدود.
سبق أن كتبت مقالا ذات عام بعنوان «سنة البيانات»، تحدثت فيه عن موضة إصدار البيانات التي داهمتنا فجأة حتى لم يكد يمر شهر إلا ويصدر بيان من هنا أو هناك موقع من قبل مجموعة من المواطنين، وقلت حينها: إن هذا يضفي نوعا من السخرية على أمر يفترض أنه في منتهى الأهمية، وبالفعل فقد كان هناك نوع من الاستهجان من قبل كثيرين لتلك الظاهرة، فقد بلغ الأمر حد أن أحد البيانات كان موقعا من خمسة أسماء، وقد حمل مطلباً لا يستحق الحصول عليه ربما أكثر من كتابة مقال أو معروض لصاحب الشأن!. إنك لا تستطيع الحصول على ما تريد من غريمك إلا إذا تعاملت معه بالإستراتيجية التي يفضلها، والحصيف هو الذي يستطيع تطبيق هذا المبدأ، أما ما دون ذلك فهو لا يعدو إلا أن يكون استعراضا مثيرا وغير ذي جدوى.
وختاماً، شعرنا بتفاؤل بعد الحديث الذي نقله الكاتب الأمريكي ديفيد اقناتيوس عن الأمير سعود الفيصل عندما سأل الأول عن المستقبل السياسي للمملكة مع موجة الربيع العربي، فأجاب الأمير: «سننصت إلى شعبنا ونتحرك تبعاً لذلك».. ثم أضاف: «نحن نتطور بطريقة بطيئة وغير ثورية، ولكنها ثابتة».
فاصلة: «إذا أردت أن تطاع، فاطلب ما يستطاع».
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر alfarraj2@