الإسلام كما هو معلوم من الدين بالضرورة، دين كامل وشامل، راعى الفوارق والمشاعر، توجيهاته تحث على العطف على الصغير واحترام وتوقير الكبير، وخاصة «الأخير» له مكانته المتميزة في المجتمع المسلم، توجيهات ديننا الحنيف، تقضي بأهمية العناية بالكبير على وجه الخصوص، وتؤكد على ضرورة التعامل معه بكل توقير واحترام، انطلاقاً من كلام ربنا سبحانه وتعالى، وتوجيهات نبينا -صلى الله عليه وسلم-، التي تزخر بها كتب السنة المطهرة، كلها تحمل معاني معرفة حقوق «الكبير» من التوقير والإجلال والتشريف، يقول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه البخاري عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، قال، قال صلى الله عليه وسلم:» من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا، فليس منا» وفي المسند من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم:» ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويأمر بالمعروف وينه عن المنكر».
لست في هذه المقالة أمثل دور الواعظ، فلست أهلاً لذلك (وياليتني) لكن ما دعاني لهذا الأمر، ما وقفت عليه من معلومة مؤكدة مئة في المئة، امتعضت منها ومن من اضطلع بها، تصوروا يا عباد الله « جمعية المتقاعدين « بالمدينة المنورة، أقامت احتفاليتها السنوية بعنوان» يوم الوفاء» جمعت فيه المتقاعدين في المدينة وما حولها - يبدو لي هكذا - وقدمت لهم هدايا وجوائز من نوع « غير مسبوق « ماذا تعتقدون أيها الموظفون الأعزاء؟! وأنتم المقبلون على ما لا بد منه، وأعني به «سنة الوظيفة» قدمت لهم هدايا وجوائز عبارة عن (عكازات، طقم أسنان، عدسات لاصقة، ونظارة طبية، وسماعة آذان) أظن أنكم ذهلتم كحالتي، حينها تساءلت: هل ربع «جمعية المتقاعدين» وقتها كانوا في كامل أهليتهم ؟ أم أنهم متعاونون مع جمعية المعاقين وتأثروا بذلك ؟ أم أنهم يتهكمون على هؤلاء؟ أم أنهم يريدونها نكتة العصر؟ أم قالوا إن البعض منهم عجزة، فهم بحاجة لعكازات تساعدهم على المشي، وبعضهم فقد أسنانه لكبر سنه، فهو بحاجة لطقم أسنان تساعده على المضغ، والبعض ضعف بصره، فهو بحاجة لعدسات لاصقة ونظارات طبية تكون دليلاً له في الطريق إلى الجمعية!، والبعض الآخر ضعيف السمع، فالضرورة تقتضي تزويده بسماعة آذان يسمع بها رنين هاتف الجمعية!، صدقوني أنهم لا يرمون لهذا كله، إنهم أيها السادة، يريدون أن يدخلوا التاريخ من أضيق أبوابه! وما عرفوا الطريق! لكن ما هو موقف المتقاعدين المكرمين ذاتهم من نخبة «جمعية المتقاعدين» وهداياهم وجوائزهم، بالطبع كانت ردة الفعل قوية، غير محسوبة ممن قاموا بالتكريم، إذ اعتبر المكرمون أن ما حصل لا يعدو كونه « مهزلة وسخرية بالمتقاعد» وقد تسببت هذه الهدايا التي قدمت في حفل شهده قصر القمة للمؤتمرات على شرف أمير منطقة المدينة المنورة ورعاه بالنيابة وكيل الإمارة، تسببت في إثارة حفيظة حضور الحفل، واستيائهم وتذمرهم من هذا الشكل الاحتفالي الغريب، لأن هذه الهدايا التي قدمت لهم، هي في نظرهم تحمل معاني التهكم أكثر من معاني التكريم. واعذروني يا جماعة الربع! إن أعلنت لكم كرهي لشيء اسمه تقاعد بعد اليوم! ولكن لحتميته، فقد قررت بطوعي واختياري، إن عشت إلى قابل، لن أحضر حفل تكريم المتقاعدين في جهة عملي، احتجاجاً على أسلوب «جمعية المتقاعدين» وتضامناً مع متقاعدي «طيبة الطيبة» وخشية أن تنتقل العدوى! وأنصح أمثالي بأخذ الحيطة والحذر، لم يبق إلا تلك، الغير يقدمهدايا وجوائز مفيدة ونافعة، كالخدمات الصحية المخفضة، والتأمين الصحي، وتحسين الدخل المادي، وهؤلاء يقدمون ما فيه دلالة على الإحباط وجرح المشاعر « فال الله ولا فالهم» ويا زينهم ساكتين.. ودمتم سالمين.