يقول الباحثون إن من يطلع على أدبيات اللغة العربية يتضح له بجلاء أن سمو اللغة العربية وتميزها وعالميتها له ما يبرره. ويتضح للباحث أيضاً أن العناية باللسان العربي وحمايته من الوهن واللحن كانت محل اهتمام العلماء، واهتمام العلماء وولاة أمر المسلمين باللغة العربية كان اتباعاً لهدي النبي صلوات الله وسلامه عليه فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أرشدوا أخاكم فقد ضل) أخرجه الحاكم وذلك عندما لحن رجل بحضرته واعتبر لحنه ضلالاً وطلب رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ممن حوله من الصحابة أن يرشدوا الرجل إلى الصواب في كلامه، وسار الخلفاء الراشدون على هذا الهدي في محاربة اللحن حماية للغة العربية التي اختارها الله فأنزل القرآن على نبيه بلسان عربي مبين قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (لأن أقرأ وأسقط أحب إليَّ من أن أقرأ فألحن) وقصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع الرماة مشهورة ومستفيضة حينما انتقد رمياتهم فردوا عليه ولحنوا في ردهم قال: (لحنكم أشد عليَّ من فساد رميكم) رواه البخاري في كتاب الأدب. وقد وجه عمر بن الخطاب نداءً إلى الأمة جاء فيه (تعلموا العربية فإنها من دينكم وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم)، وقال أيضاً: (تفقهوا في العربية وأعربوا القرآن)، وقال: (تفقهوا في العربية فإنها تزيد في العقل وتثبت المروءة)، وقال: (لا يعلم القرآن إلا عالم بلغة العرب) الخطيب في الجامع 2-25. وقال أبي بن كعب رضي الله عنه: (تعلموا العربية كما تتعلمون القرآن) انظر تنبيه الألباب ص7. وقال مالك بن أنس رحمه الله: (لا أوتي برجل يفسر القرآن غير عالم بلغة العرب إلا جعلته نكالاً) انظر البرهان في علوم القرآن 292/1. وقال ابن تيمية رحمه الله: (الذي أمر به عمر من فقه العربية وفقه الشريعة يجمع ما يحتاج إليه لأن الدين فيه فقه أقوال وفقه أعمال ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله وفقه السنة هو فقه أعماله) وقال ابن تيمية أيضاً: (لابد في تفسير القرآن والحديث من أن يعرف ما يدل على مراد الله ومراد رسوله وكيف يفهم كلامه فمعرفة العربية التي خوطبنا بها مما يعين على أن نفقه مراد الله ومراد رسوله بكلامه وكذلك معرفة دلالة الألفاظ) انظر كتاب اقتضاء الطرق المستقيم، وقال أيضاً عن اللسان العربي: (اللسان الذي هو أبين الألسنة وقد أنزل الله به أشرف الكتب) انظر ص108 جلد 31 مجموع فتاوى ابن تيمية. وقال العلماء: (معرفة اللغة العربية أمر واجب لأن فهم الكتاب وفهم السنة فرض ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، وقال ابن تيمية: (إن اللسان العربي شعار الإسلام واللغات أعظم شعائر الأمم). وإذا قيل إن اللغة العربية لغة إعلام فلهذا القول مصداقيته يقول محمد المبارك: (اللغة العربية في طليعة اللغات الإعلامية بين لغات العالم الشرقية والغربية).
ويقول الدكتور عبدالعزيز شرف أستاذ الإعلام (لقد قطعت اللغة الإعلامية العربية رحلة طويلة كاملة من أجل أن يتحقق لها شكلها المستقر المتطور الذي نراها عليه اليوم) إلى أن قال: (اكتسبت اللغة الإعلامية هذه المرونة من امتياز الفصحى بالعمق الذي يجعلها تنبض بالحياة) انظر اللغة العربية والفكر المستقبلي عبدالعزيز شرف ص50. ويقول الدكتور بيومي مدكور أمين عام مجمع اللغة العربية بالقاهرة: (إن الصحافة وغيرها من وسائل الإعلام قد حققت ما يهدف إليه المجمعيون من المحافظة على سلامة اللغة العربية وتمكينها وهي قادرة على الوفاء بمطالب العلوم والفنون) انظر كتاب اللغة العربية والفكر المستقبلي لعبدالعزيز شرف ص51. ويقول الدكتور شرف: (إن اللغة العربية تتضمن في أبنيتها اتصالاً ناجحاً أساسه الوضوح والسهولة والسلاسة والتبسيط فهي لغة عملية تعبر عن الحياة والحركة والعمل والإنجاز إلى أن قال: (اللغة العربية هي وعاء العقل العربي، تتميز بخصائص إعلامية نشأت فيها من روح الأمة العربية وتجاربها المتراكمة المستمرة، وتدل على مرونة اللغة العربية واستجابتها لمتطلبات الحياة ومقتضيات الحضارة، وتدل كذلك على الذهن العربي المتمتع بالنقاء والصفاء، والتفتح والانطلاق، وكل ذلك من معطيات الطبيعة الصحراوية، وانعكس كل ذلك على اللغة العربية وظهرت في مفرداتها وتعابيرها الخصائص الإعلامية النابعة من هذه المعطيات نفسها فتجد في أقوال العرب اللفظ المعبر المسؤول عن وظيفته في الجملة والجملة الصحيحة المسؤولة عن دورها ووظيفتها في تأدية الفكر وإيضاح المعلومات) انظر كتاب اللغة العربية والفكر المستقبلي عبدالعزيز شرف أستاذ الإعلام دار الجيل الطبعة الأولى ص88. هذه نماذج من أقوال علماء الأمة ومفكريها فماذا قال غيرهم، قال المستشرق الألماني (يوهان فوك) 1894-1974م: (إن العربية الفصحى لتدين إلى يومنا هذا بمركزها العالمي أساساً لهذه الحقيقة الثابتة، وهي أنها قد قامت في جميع البلدان العربية والإسلامية رمزاً لغوياً لوحدة عالم الإسلام في الثقافة وفي المدنية، لقد برهن جبروت التراث العربي الخالد على أنه أقوى من كل محاولة يقصد بها زحزحة العربية عن مقامها المسيطر، وإذا صدقت البوادر ولم تخط الدلائل ستحتفظ العربية بهذا المقام العتيد من حيث هي لغة المدنية الإسلامية) انظر كتاب لغة القرآن لأنور الجندي ص206. وقال الخفاجي نقلاً عن أبي داود المطران وهو عارف باللغتين العربية والسريانية: (أنه إذا نقل الألفاظ إلى السريانية قبحت وخست وإذا نقل الكلام المختار من السريانية إلى العربية ازداد طلاوة وحسناً) انظر الفصحى لغة القرآن - أنور الجندي ص306. وقال المستشرق (ندوكه) 1826-1930م عن العربية وفضلها وقيمتها وأثر الإسلام والقرآن فيها وهو العالم باللغات السامية والفارسية، والتركية، والسنسكرتية، واليونانية، والألمانية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية والإيطالية: (إن اللغة العربية لم تصر حقاً عالمية إلا بسبب القرآن والإسلام وقد وضع أمامنا علماء اللغة العرب باجتهادهم أبنية اللغة العربية وكذلك مفرداتها في حالة كمال تام وأنه لابد أن يزداد تعجب المرء من وفرة مفردات اللغة العربية عندما يعرف أن علاقات المعيشة لدى العرب بسيطة جداً ولكنهم من داخل هذه الدائرة يرمزون للفرق الدقيق في المعنى بكلمة خاصة والعربية ليست غنية فقط بالمفردات ولكنها غنية بالصيغ النحوية وتهتم العربية بربط الجمل وهكذا أصبحت اللغة العربية (البدوية) لغة للدين والمنتديات وشئون الحياة الرفيعة وفي شوارع المدينة ثم أصبحت لغة المعاملات والعلوم) انظر اللغة العربية نذير حمدان ص123 وقال المستشرق (كارل بروكلمان) 1868 - 1956م وهو حجة في اللغات السامية والعديد من اللغات الأخرى (بلغت العربية من الاتساع مدى لا تكاد تعرفه أي لغة من لغات الدنيا والمسلمون جميعاً مؤمنون بأن العربية وحدها اللسان الذي أحل لهم أن يستعملوه في صلاتهم) انظر من قضايا اللغة العربية المعاصرة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ص274. وقال (جاك ريسلر) أضحت اللغة العربية أداة العلم الإسلامي الرئيسية وقامت في المشرق بما قامت به اللغة اليونانية في الغرب ولم تحتل اللغة العربية هذه المكانة الرفيعة بذاتها ولكن الموقع المركزي لها بوصفها لغة الدين الإسلامي والإدارة هو الذي أدى إلى تطويعها لتلائم المتطلبات العلمية) انظر تراث الإسلام تصنيف شاخت وبلوزيون سلسلة عالم المعرفة 3-72. وقال المستشرق الفرنسي (أرنت رينان) ولا نعرف شبيها بهذه اللغة (يعني العربية) التي ظهرت للباحثين كاملة من غير تدرج وبقيت حافظة لكيانها من كل شائبة) انظر مجلة اللسان العربي 22-85 للدكتور محمود فوزي حمد. وقال المستشرق البريطاني (الفرد غيوم) عن العربية (ويسهل على المرء أن يدرك مدى استيعاب اللغة العربية واتساعها للتعبير عن جميع المصطلحات العلمية للعالم القديم بكل يسر وسهولة بوجود التعدد في تغير دلالة استعمال الفعل والاسم) انظر مقدمة القاموس (ادوارد) ترجمة عبدالوهاب الأمير مجلة المورد المجلد (5) العدد 2ص42. وقال المستشرق (ريتر) أستاذ اللغات الشرقية بجامعة اسطنبول (إن اللغة العربية أسهل لغات العالم وأوضحها فمن العبث إجهاد النفس في ابتكار طريقة جديدة لتسهيل السهل وتوضيح الواضح) انظر فن الترجمة وعلوم العربية - إبراهيم بدوي الجيلاني ص91. ويقول المفكر (ارنت هوكينج) (أما اللغة العربية فهي من أجمل اللغات وأكثرها دلالة وقد كانت مع اللاتينية في العصور الوسطى إحدى اللغتين الدوليتين في حقول العلم والسياسة والاقتصاد وإنها لغة حافظة على نقائها) انظر يوسف خليل ص303 العربية ودور التربية في تحقيقها. وقال المستشرق الفرنسي (لويس ماسنين) (استطاعت العربية أن تبرز طاقة الساميين في معالجة التعبير عن أدق خلجات الفكر سواء كان ذلك في الاكتشافات العلمية والحسابية أو وصف المشاهدات أو خيالات النفس وإسرارها واللغة العربية هي التي أدخلت في الغرب طريقة التعبير العلمي) إلى أن قال: (إن اللغة العربية أداة خالصة لنقل بدائع الفكر في الميدان الدولي وإن استمرار حياة اللغة العربية دولياً لهو العنصر الجوهري للسلام بين الأمم في المستقبل 302-310 يوسف خليل وقال المستشرق الإيطالي (كارلو فليتو) اللغة العربية تفوق سائر اللغات رونقا ويعجز اللسان عن وصفها) انظر اللغة العربية وتحديات العصر للدكتور عبدالعزيز بن عبدالله أعدها للنشر بولوز مدونة محمد بولوز. وقال البيروني (وللغة العربية ميزة في الإيجاز تتسم به اللغة العربية الذي لا شبيه له في سائر لغات العالم والذي يعد معجزة لغوية) وقال المستشرق الألماني (قرتاج): (إن اللغة العربية ليست أغنى لغات العالم فحسب بل إن الذين نبغوا في التأليف بها لا يكاد يأتي عليهم العد).
وقال المستشرق الروسي الشهير (اغنا طيوس كراتشوفسكي) إن أول ما نلحظه من أول نظرة نلقيها على هذه اللغة (أي اللغة العربية) الغنى العظيم في الكلمات والإتقان في الشكل والليونة والتركيب). وقال المستشرق (بركلمان) الألماني (معجم اللغة العربية اللغوي لا يجاريه معجم في ثرائه) انظر فيما تقدم الأستاذ دريس بن الحسن العلمي - اللغة العربية وتحديات العصر للأستاذ عبدالعزيز بن عبدالله مجلة اللسان العربي عام 1976م، وقال المستشرق (رفائيل) وهو يجيد تسع لغات (إنني أشهد من خبرتي الذاتية أنه ليس ثمة من بين اللغات التي أعرفها تكاد تقترب من العربية سواء في طاقتها البيانية أم في قدرتها على أن تخترق مستويات الفهم والإدراك وأن تنفذ بشكل مباشر إلى المشاعر والأحاسيس تاركة أعمق الأثر فيها)، انظر مقال العربية أفضل اللغات لعبدالله بن صالح العسكر جريدة الجزيرة العدد 12598 - 1428هـ وقال (مارتن داي) المتحدث الرسمي باسم الحكومة البريطانية التي تعلم اللغة العربية الفصحى وفهمها جيدا (إن تجربته في تعلم اللغة العربية كانت مميزة بالنسبة له حيث فتحت أمامه آفاقاً جديدة هذه اللغة التي لا تشبه أي لغة أخرى) إلى أن قال (إنه تعلم اللغة العربية الفصحى ويتحدث بها عندما أدرك أن لكل بلد عربي لهجته المحلية - فلم يجد حتى الآن لهجة تتضمن ما تتضمنه الفصحى من المشاعر المتأججة والكلمات المعبرة لذلك فهو يتمنى أن يحافظ العرب على لغتهم كما يحافظون على أبنائهم) حوار عواطف إدريس - تصوير محمد أبو الحسن. وقال المستشرق (ريتر) أستاذ اللغات في جامعة اسطنبول (إن الطلبة قبل الانقلاب الأخير في تركيا كانوا يكتبون ما أمليه عليهم من المحاضرات بالحروف العربية وبالسرعة التي اعتادوا عليها لأن الكتابة العربية مختزلة من نفسها، أما اليوم فإن الطلبة يكتبون ما أمليه عليهم من المحاضرات بالحروف اللاتينية ولذلك لا يفتأون يسألون أن أعيد عليهم العبارات مراراً وهم معذورون في ذلك لأن الكتابة الإفرنجية معقدة والكتابة العربية واضحة كل الوضوح فإذا فتحت أي خطاب فلن تجد صعوبة في قراءة أردأ خط به وهذه هي طبيعة الكتابة العربية التي تتسم بالسهولة والوضوح) انظر فن الترجمة وعلوم العربية لإبراهيم بدوي الجيلاني ص91 وفي هذا السياق أورد الدكتور أحمد الضبيب في كتابه (اللغة العربية في عصر العوملة) إن بحثا يابانياً عن اللغات العالمية توصل إلى نتيجة علمية مفادها أن اللغة العربية جاءت متصدرة لجميع اللغات العالمية في الوضوح الصوتي في استخدامات الحاسب الآلي) إذا كانت اللغة العربية في منظور العلماء وفي منظوم المفكرين والمتخصصين في اللغات تملك المميزات التي شهدوا بها، وأن المحافل الدولية تعتبرها من ضمن ست لغات عالمية وتحتفي بها في كل عام أسوة بغيرها من اللغات العالمية المعروفة، يضاف إلى ذلك أنها متميزة بمزايا لا نظير لها في لغات العالم من هذه المزايا أنها خالدة ومرشحة بقوة بأن تكون هي الوارث الحقيقي الوحيد لجميع اللغات في خدمة السلام العالمي لأن بقية اللغات من هذا المنظور اعتبرها المتخصصون في اللسانيات وقتية تتغير بين حين وآخر على مدى بضعة قرون، واللغة العربية لا تتغير مهما طال الزمن وقالوا عن اللغة العربية أسهل اللغات وأوضحها نطقا وكتابة، وقالوا إن اللغة العربية تملك صفة الإيجاز وأنه لا نظير لها في هذه الصفات، وأن إيجازها معجزة من المعجزات اللغوية لا تماثلها في هذه الصفة أي لغة البتة إلى غير ذلك من الصفات والمميزات التي سبق ذكرها وغيرها مما لم يرد ذكره فيما سبق إذا كان الحال كما وصف أليس من الحكمة وبعد النظر والرشد أن تهتم الدول العربية بهذه اللغة وتحتفي بها وتحمي حماها وتغرس في نفوس أبناء وبنات العرب حب هذه اللغة وتقديرها، أليس من الحكمة وبعد النظر والرشد أن تهتم الدول العربية بتعليمها وتعلمها والتفقه فيها وإثرائها بترجمة كافة العلوم النافعة إلى اللغة العربية وفي مقدمتها العلوم البحتة. أليس من الحكمة وبعد النظر والرشد أن يوجد في كل جامعة عربية في الوطن العربي كلية أو قسم متخصص في علوم اللغة العربية وبخاصة علم النحو وقواعده ويحتفى بالمتخرجين والمتخصصين في اللسان العربي أليس من الحكمة والرشد أن تدعم الأمة العربية مجامع اللغة العربية ومراكز خدمة اللغة العربية في الكم والكيف. أليس من الأولى والأحظ للأمة العربية أن يكون للغة العربية السيادة المطلقة في تدريس كافة العلوم دون استثناء مهما كانت متطلبات تحقيق الجودة من ترجمة متميزة وغيرها. أليس في سيادة اللغة العربية في التعليم العربي عزة للعرب وكرامة لهم وكرامة لشعارهم وهويتهم اللسانية ورسوخ قدم لا ينكر في العلوم قاطبة وامتلاك لزمام العلم والتعلم وإثراء للتراث العربي، ألم تعايش الأمة العربية مشكلة التعجيم في تعليمها في مدى قرنين من الزمن ولم تحقق الأمة العربية مرادها في التقدم في العلوم البحتة وهي في الحقيقة معذورة في واقع الحال لأن الأمة العربية واجهتها معضلة التعجيم بشكل بشع وغير مسبوق، حيث وقع التعجيم في التعليم العربي في أول الأمر قسراً بثلاث لغات ولم يحصل لأمة من الأمم غير العرب أن تم غزوها بثلاث لغات في عقر دارها، ففي أقطار الشمال الإفريقي استعجم التعليم باللغة الفرنسية وفي المشرق العربي استعجم التعليم باللغة الإنجليزية، وفي القرن الإفريقي استعجم التعليم باللغة الإيطالية وتركزت بشاعة التعجيم علناً في تفريق صفوف الأمة العربية في التعجيم ذاته، وبسببه حصل تفرق الجامعات العربية وبخاصة الجامعات التي تدرس العلوم البحتة، وحصل بسبب التعجيم عزل البحوث العربية بعضها عن بعض في مجال العلوم البحتة. ونشأ عن هذا الواقع المرير تشرذم التعليم العربي وتصدعه في العلوم البحتة ونشأ بسبب التعجيم وجود ترجمة بينية بين الأقطار العربية لاختلاف الألسن في تدريس العلوم البحتة. لقد أنهك التعجيم العالم العربي وأطالب العربي والباحث العربي والمكتبة العربية وأسهم التعجيم في خسران الأمة العربية الوقت والجهد والمال، حيث لم تبلغ الأمة العربية هدفها المنشود في التقدم، لقد سولت للغزاة أنفسهم بأنهم من خلال تفتيت لسان التعليم في الأمة العربية وتمزيقه سيتمكنون من القضاء على اللغة العربية قضاء مبرمجاً وحاسماً ولكنهم لم يستطيعوا هزيمة اللغة العربية ذاتها وبقيت اللغة العربية مرفوعة الرأس ثابتة الخطى بفضل القرآن وعلومه وبفضل شعائر الإسلام الظاهرة وبفضل جهود علماء المسلمين غير أن الغزاة نجحوا في هزيمة الأمة العربية وإحباطها في التقدم والجودة في العلوم البحتة، فبقيت الأمة العربية متخلفة في العلوم البحتة وبقيت الأمة العربية مستهلكة وليست منتجة وضمنت الدول المتقدمة لنفسها دوام سوق عربية مغرية ونشطة في الاستهلاك ومغبونة في قدراتها المالية والاقتصادية والفكرية واللغوية، لقد مضى الوقت الذي كان العرب يتلاومون خلاله ويجلدون فيه ذواتهم دون جدوى، وحان وقت إعادة النظر بجدية وتعقل وبحكمة وبعد نظر وبصيرة ووعي بعيداً عن خلط الأوراق، وعن التقليد الأعمى، لقد أصبح بإمكان العرب أن يعيدوا النظر في صواب مسيرتهم وفي أخطائهم فيتداركوا الأمر ويعملوا بإخلاص في توسيع دائرة الصواب وتضيق دائرة الخطأ بقدر المستطاع، ومما لا شك فيه أن لسان التعليم في الوطن العربي في حاجة ماسة إلى تصحيح مساره، وحينما يقول العرب نعم لتعلم وتعليم اللغات الأجنبية باعتبارها ثقافة كغيرها من مواد التعليم وبحيث يكون تعلمها حسب الحاجة وليس على حساب اللغة العربية ويفعلون ما يقولون فذلك رشد وحينما يقول العرب لا وبشكل جازم وحازم تجاه حصر تعلم العلوم البحتة على اللغة الأجنبية ويفعلون ما يقولون فذلك رشد وحينما يقول العرب لا لعزل اللغة العربية وإقصائها عن تعلم العلوم البحتة ويفعلون ما يقولون فذلك رشد وحينما يسعى العرب بعزيمة صادقة لإثراء الحاسب الآلي باللسان العربي فذلك رشد لقد تبين بوضوح أن اللغة العربية هي الأفضل وهي الأكمل في مجال تعلم العلوم كافة بالنسبة للإنسان العربي, إذ هي لغة علم بكل المقاييس ولهذا القول ما يبرره وشهادات المتخصصين في اللغات تبرهن على ذلك وتوثقه، كما أسلفنا وتجربة الأمة العربية في تعلم العلوم البحتة بغير العربية تقيم الدليل القاطع بأن الرهان على التعجيم رهان خاسر بكل المقاييس وهجرة العقول العربية الملفتة للنظر إلى البلدان الأجنبية بعد ما استعجموا في تعليمهم يتحمل وزرها تعجيم التعليم في الوطن العربي، ولو قيل إن تخلف الأمة العربية خرج من عباءة التعجيم لكان لهذا القول ما يبرره، لقد كان ولا يزال التعجيم في التعليم العربي إثراء حقيقياً للغة الإنجليزية وللغة الفرنسية وللغة الإيطالية ولتراث تلك الدول ومكتباتهم وكان التعجيم في التعليم العربي ولا زال إفقاراً وحرماناً وإقصاء للغة العربية وللتراث العربي والمكتبة العربية، وفي هذا السياق يرى الباحثون أن إقامة مركز الملك عبدالله لخدمة اللغة العربية كانت خطوة هامة ومتميزة ورائدة جاءت في الطريق الصحيح وفي الوقت المناسب وهذا قول حق وصدق ولا تقل جائزة الملك عبدالله العالمية للترجمة عن المركز المذكور أهمية وصواباً وريادة إذ هما منجزان عظيمان دخلا التاريخ من أوسع أبوابه، وهكذا تكون منجزات العظماء المصلحين الخالدة.
وختاماً نقول هنيئاً للأمة الإسلامية بعامة وهنيئاً للأمة العربية بخاصة بهذه اللغة العربية السهلة الواضحة العلمية الغنية المتميزة الخالدة وهنيئاً للأمة الإسلامية وهنيئاً للأمة العربية بالحرف العربي وبالصوت العربي المتميزين عالمياً على ما سواهما في الجمال والوضوح والسهولة والإيجاز (وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء).