بصراحة ما أدري هل هو حلم ليل، أم حلم يقظة، يعني ما كان واضحاً، يشبه إرسال بعض قنواتنا، المهم أنني حلمت أنني صرت وزيراً، هكذا بكل بساطة رحت أداوم أول يوم كوزير، طبعاً نسيت آخذ (بشت) معي، ورحت الدور الثالث أدوّر على كشف الحضور، أي حضور الله يهديك؟ قال لي أحد المرافقين حين ضغطت على زر الدور الثالث، قال ذلك وهو يضغط على زر الدور السابع، كنت كأنني عادل إمام في مسرحية (الزعيم)، لكن النتائج جاءت عكس توقعاتي، إذ يبدو أنني أسرت الموظفين وسحرتهم بابتساماتي، وأول شيء أشاعوه عني أنني متواضع جداً، لدرجة أنه جاء من غير (بشت)، لا وراح يبحث عن كشف الحضور والانصراف، هذي القدوة و الا بلا!
كان معي أخي، همس لي بعد ما جلست على الكرسي الوثير، لازم تجمّد كل موظفي مكتب الوزير السابق، وتوظّف أولاد الحارة والأقارب كلهم في مكتبك، ابتسمت في وجهه ببلاهة، وأنا أعتقد أنه مخلص ووفي، قبل أن أعرف أنه يأخذ مبلغ وقدره على توظيف الرأس الواحد! ليس توقيعي الذي صار له ثمن، بل حتى التصوير بجواري أصبح مدفوع الثمن، معقول إلى هذي الدرجة أصبحت مهماً؟
للأسف لا أعرف أي حقيبة استلمت، لأن مرة أقول للوكلاء، بأن لا يبقى مواطن يحتاج إلى دواء أو سرير دون أن يجده، ومرة أقول لهم، سأحاسب أي وكيل منكم إذا اتضح لي أن أحد أبنائنا أو بناتنا لم يجد مقعداً له في الجامعة، ومرة ثالثة، أهز أصبعي السبابة في وجوه الوكلاء، لا يجي الشهر القادم، وفي البلد مواطن لا يملك بيتا، مفهوم؟.
أحلى شيء حين تكون وزيراً، أنك تشهر إصبعك، وأن من حولك يفهمك دون أن تتكلم، فقط تنظر وتجدهم أحضروا ما تريد، الجميع يتملقونك، ويخفضون رؤوسهم حين تمر، والكل يقول بأنك وزير استثنائي، وليت الأمر توقف عند ذلك، بل حتى البيت صار مزاراً لكل الأقارب، المعروفين وغير المعروفين، واتضح أن أمهات كل أقاربنا، حتى من سابع جد، هن أمهات لي من الرضاعة، فجأة صار لدي خمسون أماً من الرضاعة، والمدام طبعاً، حرم معالي الوزير، صارت تفتي في كل شيء، ولا أحد يجرؤ ليقول لها هذا غير صحيح، كنت متحمساً في البداية، وأريد أن أحل كل مشاكلنا، فلم يظهر مجال عملي محدداً في الحلم، كنت أريد إصلاح المستشفيات والجامعات والمدارس والمزارع والإسكان، حتى أنني من التطفل، كدت أن أتدخل في عمل هيئة مكافحة الفساد، م ع أن هذا من صلاحيات رئيس، لا وزير، إذن الحماسة أحياناً تدخل الإنسان في نفق لا آخر له.
مع الزمن تعوّدت على (بشت) الوزير، حتى أنني صرت أنام فيه، ولا أخجل من أن يتملقني الناس، بل أستغرب كثيراً ألا يذعن لي الموظفون والمواطنون والعباد، بدأت أعرف كيف أبدو مراوغاً بذكاء، أتحاشى المراجعين، لا أجعل أحداً يمسك عليّ موقفاً أو تصرفاً، صار كل شيء لي، فالوزارة كأنها بيت أهلي، والموظفون خدمي، والمراجعون هم مجرد متسولين، واعتدت كلمات خطاباتهم من قبيل «التمس عطفكم»، «آمل تكرمكم»، وغيرها. حتى جاء يوم رفع أحدهم صوته وهو يقول: المفروض...!
المفروض؟ تعال أحسن اجلس في كرسيي! (وخبطت...). فدفعتني زوجتي قائلةً: قم تأخرت على الدوام!