في التعديل الوزاري الجديد عين بموجبه وزراء جدد لكل من الخدمة المدنية والاقتصاد والتخطيط والتجارة والصناعة والحج، وأهنئهم جميعا بهذه الثقة وما سأتحدث عنه يدخل ضمن اختصاص وزارة الخدمة المدنية، وأهنئ معالي وزيرها الدكتور عبدالرحمن البراك بهذه الثقة التي هو أهل لها لما عرف عنه من خبرة إدارية متميزة في مجال التنظيم الإداري وتدريب العنصر البشري الذي هو العنصر الأول في التنمية، ولقد اختار خادم الحرمين فأحسن الاختيار، وأثق باهتمام معالي الدكتور البراك بالسلم الوظيفي العام الذي ظل جامدا لأكثر من أربعين عاما فقد تغيرت الأساليب الإدارية والأنظمة الوظيفية وأنظمة الحوافز والبدلات والإجازات والدورات التدريبة ولم يتغير هذا السلم الخشبي الذي تآكل وبدأ في التكسر ومن المشاريع المتعثرة والتي تعثر معها كثير من مشاريعنا مشروع (سلم رواتب المهندسين) الذي رفعته الهيئة السعودية للمهندسين لوزارة الخدمة المدنية، ومن ثم مجلس الخدمة المدنية منذ مدة طويلة وصار ضحية للبيروقراطية التي عطلته وصار الضحية الوطن بأكمله، حيث إن العنصر البشري الذي يدير مشاريعنا وهم المهندسون صاروا ضحية للبيروقراطية، وصار الثمن مليارات الريالات التي تضيع هباء كل سنة بسبب تسرب المهندسين من الوزارات بسبب عدم وجود حافز لهم وخاصة مع الكم الهائل من المشاريع في هذه السنوات الخضر والذي يجب ان يتزامن معه إعداد قاعدة من المهندسين للإشراف الحكومي عليها، والذي حدث هو إن استمر الطاقم الإشرافي على وضعه السابق فتعثرت المشاريع بنسب كبيرة إضافة لأسباب أخرى وها نحن ننتظر ميزانية خير ضخمة وغير مسبوقة وأخشى ان يعقبها تعثر آخر لمشاريعنا التنموية وهي مشاربع بنية تحتية وتبلغ اعتمادات المشاريع في السنة الماضيه أكثر من 256 مليار ريال، وهذا الرقم بحد ذاته دليل قاطع وأكبر دليل على الأهمية القصوى لاعتماد هيكلة وإدارات خاصة لإدارة هذه المشاريع إدارياً وفنياً، وفي ظل طغيان البيروقراطية والروتين على الإدارات الحكومية قد تكون هذه الإدارات سبباً في عرقلة هذه المشاريع لأنها لم تهيأ أصلاً لإدارة هذا الكم الهائل من المشاريع بإداراتها (الهندسية) والفنية المهترئة، والتي يهمها (تطبيق النظام) بشكل حرفي بحت، وذلك خوفاً من تبعات المسؤوليات في حالة اتخاذ أي إجراءات تحيد عن (حروف) النظام حتى وإن كان هذا التصرف الإداري داخل (روح النظام)، إن البنية التحتية لنظام إدرة المشاريع هو (النظام الهندسي) لإدارتها والأهم في هذا النظام هو الكادر البشري وأخص بالذكر (المهندسين) الذين هم الأساس الصفري والقاعدة الأساسية لإدارة المشاريع إدارياً وفنياً، فالمهندسون الأكفاء هم كقائد السيارة التي تسير على الطريق، فإذا كان القائد غير كفء أو يقود هذه السيارة ولم تلبَّى طلباته وحاجاته الأساسية فربمَّا قلبها رأساً على عقب، أو غرز بها في الرمال. مما يجعل الفائدة من سيارة كلفت مئات الآلاف من السيارات صفراً في ظل عدم وجود قائد كفء يشعر بالأمان والتقدير.
في رأيي الشخصي فإن أكبر قطاع يضم مهندسين سعوديين وذوي تأثير مباشر على حياة المواطن اليومية وتطور المدن والبيئة والنهضة الحضارية هم مهندسو الأمانات والبلديات، حيث تنتشر الأمانات والبلديات في كل مدن وقرى المملكة، ولابد أن يكون في كل أمانة أو بلدية إدارة فنية بمسمى (الإدارة الفنية) أو (إدارة المشاريع)، وهذه الإدارات تستقطب مهندسين مدنيين ومعماريين للتخطيط الإقليمي والحضري وتخطيط الطرق في إدارات مشتتة ويغلب عليها طابع العشوائية في كثير من أعمالها، فلا يوجد هيكلة فنية وإدارية لهذه الإدارات فقد يتولى مهندس زراعي إدارة طرق، وقد يتولى طبيب بيطري إدارة إنشاء مباني، وقد يتولى محاسب مالي إدارة حدائق، وقد يتولى مهندس طرق إدارة سيول أو العكس، وقد يتولى خريج اقتصاد زراعي اعتماد مخططات مرورية ذات خصائص فنية لها علاقة بأحجام المرور والأبعاد الفنية للطرق.
وقد يتم وضع إدارة لضبط جودة المشاريع ويكون همها ترسية المشاريع والمناقصات... وما إلى ذلك من (العشوائية الإدارية) التي تقود إلى سوء هيكلة إدارات الأمانات والبلديات بحيث لا تتناسب مع اختصاصات المهندسين وكفاءتهم وخبراتهم، بل وفي (مشاريع تخرجهم) التي هي الفيصل الأساسي في المعرفة الفنية والتقنية، وعلى هذا فلابد من بناء (بنية تحتية) أساسية من نظام لتعظيم الفائدة من المهندسين السعوديين، وقد يقول قائل كيف نطالب بوضع نظام وحوافز لتحفيز المهندسين السعوديين ما دام أنك تذكر أن الفائدة منهم شبه معدومة، فأقول إن هذا هو بيت القصيد ولابد من وضع نظام متكامل يشمل الأسس الوظيفية بالعمل الحكومي فمعظمهم ما إن يلتحق بالوزارة حتى يفاجأ بالحوافز غير المشجعة والوضع (المزري) للمهندس نسبة إلى غيره من الفئات فينسحب من العمل الحكومي إلى شركات أو إدارات أخرى أكثر تقديراً.
إن (هرم) ماسلو هو هرم يُبنى على عدد من الأشياء أهمها:
1- الحاجة للتقدير. 2- الحاجة لتحقيق الذات وهي رأس الهرم، حيث إنه لا يمكن تحقيق الذات ويقصد بها أن كل إنسان إذا قُدرت أعمال وأحس بالأمان الوظيفي (كادر وظيفي يقدره) نتج عن ذلك عطاؤه وإبداعه وابتكاراته أما في حالة وجود تهديد إداري ووظيفي له إما بالتسلط الإداري والرأي الأوحد وذلك بتهميش دوره أو شطبه مما جعله غير منتج مع كفاءته وجديته في العمل، وهذا بلاشك يرجع إلى البنية البيروقراطية التي تركت فراغات في الصلاحيات الإدارية تتيح المجال للآراء الفردية بالهيمنة على الأعمال الفنية وعلى الإنتاج الهندسي للمهندس السعودي الذي يجب أن يُعطى كل التقدير وكل الثقة وكل الحوافز والحاجة للتقدير وإعطاء الأهمية الذاتية تأتي قبل الحافز المادي بلاشك، ومن هنا فإنني أنادي بإعطاء الحصانة الإدارية للمهندس السعودي كما هي للقاضي بشكل يضمن عدم وجود أي تسلط إداري أو رأي فردي يحد من عطائه وإبداعه وخاصة مهندسي الأمانات والبلديات لصلتهم بالحياة اليومية للمواطن وبالعدد الكبير من المشاريع التي تنعكس على تطور المدن وعمرانها. حيث يفاجأ هؤلاء في غالب الأحيان (بفوضى) إدارية وتخبط مستمر في الهيكلة وفي الأعمال الإدارية والفنية تجعل منهم غثاءً في وسط سيلٍ من الموظفين العاطلين ووسط بيروقراطية إدارية مقيتة وتسلط إداري فردي يلغيهم ويجعلهم أصفاراً على الشمال.
أما بالنسبة للحافز المادي فهو أهم الأشياء في إعادة هيكلة نظام (الهندسة السعودية) وأخص بالذكر (سلم رواتب المهندسين) الذي تقوم الهيئة السعودية للمهندسين مشكورة بمتابعة مراحل اعتماده من المقام السامي وأعتقد أن هذه المرحلة هي مرحلة مفصلية لاعتماد هذا السلَّم وكسر جميع العوائق التي وضعت أمامه فليس هناك عائق مالي أمامه وخاصة أمام الرقم الضئيل للمهندسين السعوديين (6000 مهندس) سعودي فتحسين وضعهم لن يكلف ميزانية الدولة شيئاً يذكر (أقل من 0.5%) من الاعتمادات السنوية للمشاريع على أحسن الأحوال، وكلما وصل هذا السلم في رحلته الطويلة إلى مرحلة وصعد ووجه بعوائق بيروقراطية مثل أن هذا الكادر أو السلم سيفتح علينا باباً مغلقاً، وهذه الحجة غير واقعية، حيث إن الباب قد فتح منذ زمن طويل ودخل معه جميع الفئات المختصة، فقد دخل مع هذا الباب العسكريون، والقضاة، والمعلمون، والأطباء، وأعضاء هيئة التدريس.... وغيرها، فلما تبقى المهندسون أغلق في وجوههم هذا الباب وظلوا يطرقونه لعله تم نسيانهم وأغلق في وجوههم فلم يوجد له مفتاح وبحت حلوقهم لعل أحداً يفتح لهم هذا الباب؛ مع أن المفترض أنهم أول من يدخل هذا الباب نظراً لصلتهم الوثيقة باقتصاد البلاد وميزانيتها، ومع تململهم من فتح هذا الباب فقد بدأ بعضهم يغادر العمل الحكومي إلى الشركات والمؤسسات، واستمر العمل الحكومي بشكله الظاهر ولكن غياب المهندس السعودي المقدر قد أضر كثيراً بمشاريع الدولة وغيابهم هو من أحد الأسباب الرئيسة في عرقلة تنفيذ المشاريع وتعثرها الكبير والذي كلف ميزانية الدولة واقتصادنا أموالاً باهظة فتأخر تنفيذ مشروع سيؤخر الاستفادة منه حتماً وسيحرم البلاد من العائد الاقتصادي من استخدام هذا المشروع، فلنفترض أن المشروع المتأخر هو كوبري في تقاطع لا شك أن ذلك سيفاقم الزحام المروري وتأخر حركة المرور التي تشمل موظفين ينتجون عملاً في مكاتبهم، أو مواد غذائية يتأخر وصولها للمستهلك فيرتفع سعرها بسبب صعوبة الانتقال، أو حوادث مرورية بسبب التحويلات وغيرها، إضافة إلى الهدر المالي بسبب وجود موظفين حكوميين لمتابعة التأخر فلو انتهى هذا المشروع في وقته لتمت الاستفادة منهم وبدأ موظفو الدولة في مشروع آخر، وأعتقد أنه لابد من الإسراع في إصدار (سلم رواتب المهندسين) حتى لا يزداد الهدر المالي لاقتصادنا ومشاريعنا التي تتعثر لأسباب فنية واهية.
وإصدار هذا السلم هو الخطوة الأولى لكادر بشري وفني مؤهل وسعودي بحت يستطيع أن يجد منطلقاً وحافزاً لخدمة وطنه. فلا أجد أن هناك أي سبب أو مبرر يؤخر إصدار مثل هذا الكادر إلا إذا أردنا مزيداً من الهدر الاقتصادي لأموالنا ومزيداً من التعثر والضياع لمشاريعنا ومزيداً من التخلُّف لبنيتنا التحتية... لابد من إعادة بناء القاعدة التحتية (للهندسة السعودية) وهذا يبدأ بالتأكيد بإعطاء الحوافز المادية والمعنوية للعنصر الأساسي في كل هذا وهو المهندس السعودي وبدون ذلك فإننا نسير عكس التيار وننزل عكس (هرم ماسلو). فكل يوم تأخير أو تلكؤا ووضع للحواجز والعوائق في طريق إصدار (سلم رواتب للمهندسين) هو فاتورة يدفعها الوطن بأكمله من الهدر المالي والاقتصادي.
وأرى أنه من الأنسب اتخاذ إجراءات فورية (تمهيداً لصدور الكادر) تشمل الآتي:
1- ترقية المهندسين الذين أمضوا سنوات في مراتبهم دون ترقية (أي تجاوزوا المدة النظامية) ولنفترض أن مهندساً في المرتبة التاسعة منذ 5 سنوات أي تجاوز المدة النظامية لسنة واحدة وليكن مستحقاً لها في العام 1431هـ فيتم ترقيته بحيث تبدأ سنوات المرتبة العاشرة بدءاً من عام 1431هـ وليس عام 1432هـ (بأثر رجعي).
2- مد درجات السلم الوظيفي للوظائف الهندسية بشكل خاص حيث أن كثيراً من المهندسين سئموا من التجميد الوظيفي الذي يمتد لسنوات طويلة وأخص بذلك الجادين منهم، وإذا طبقنا هرم ماسلو للحاجات على المحبطين منهم وغير المنتجين فإنه إذا تم إعطاؤهم الحافز المادي وهو مد درجات السلم الوظيفي فسوف يشعرون بشيء من التقدير والاهتمام ولو بنسبة معينة مما يجعلهم يبدعون وينتجون ويبتكرون، وهنا فإنني اقترح أن يمتد فتح درجات السلم الوظيفي (العلاوات السنوية) حتى الترقية للمرتبة التي تلي المرتبة الهندسية.
3- وضع بدلات ومحفزات للوظائف الهندسية مثل بدل السكن الذي هو من أهم البدلات المحفزة للموظفين، ولو طبقنا المعايير العالمية لمهام الوظائف الهندسية فإنه من الضرورة منح بدل ندرة لبعض التخصصات، وبدل أعمال ميدانية وربما الأعمال الشاقة لبعض التخصصات الهندسية التي تتطلب الخروج إلى الميدان وسط الآلات أو في الشمس الحارقة.
وهذه الإجراءات يجب اتخاذها من قبل كل وزارة لوحدها وخاصة وزارة البلديات ووزارة النقل اللتان تحويان أكبر عدد من المهندسين يشرفون على مشاريع مؤثرة في مفاصل الاقتصاد الوطني، وذلك حتى ينتهي الأخذ والرد والعراقيل التي وضعت في طريق (كادر المهندسين). وأعرف ان لدى معالي وزير الخدمة المدنية الجديد الدكتور عبدالرحمن البراك من الخبرة والإدراك وبعد النظر واسلب (التخطيط الإستراتيجي) ما يجعله يؤيد سرعة إصدار كادر المهندسين وتأييده لدى المقام السامي وتطوير أنظمة تدريب المهندسين حفاظا على ثروة الوطن من المشاريع الضخمة وتنظيماً هندسياً علمياً لإدارة هذه المشاريع والحفاظ على الثروة البشريه التي انفقت الدولة لتعليمها الأموال الطائلة (المهندسين) أثق في اهتمام معاليه وعسى ان يصدر هذا الكادر مع تباشير ميزانية الخير القادمة.