لئن كنا معنيين برعاية اليتيم، وتربيته، والعناية به، ومن في حكمه، فإن الاهتمام بالبعد التخطيطي لمستقبل اليتيم العلمي، والعملي، والتعليمي، والثقافي، والمهني، والسلوكي، والعمل على إشراكه في الحياة الاجتماعية، يُعتبر حجر الزاوية في مجال رعاية اليتيم، ومعالجة قضاياه الإنسانية، والاجتماعية على نحو يتلاءم، ومتطلبات العصر؛ من أجل بناء وطن متكامل اجتماعياً.
الأيتام، هم أساس في معادلة الوطن، وإشباع حاجاتهم المادية، والعاطفية، والروحية، والارتقاء بمعنوياتهم، وتعزيز كيانهم الإنساني، والاهتمام بهم، له تأثيراته الإيجابية على حياة اليتيم، وبناء شخصيته. ومن هذا المنطلق فقد أكدت الدراسات العلمية، والبحوث الأكاديمية، أن كثيراً من هذه الفئة، ممن لم تجد العناية، والاهتمام من قبل الآخرين، كانوا يعانون من اضطرابات في الشخصية، وتنتابهم عقد نفسية؛ مما أدى إلى سوء توافقهم مع المجتمع. وهو ما يجعلنا نهتم كثيراً بضرورة حماية حقوقهم، وإعطائهم امتيازات تساعدهم على النمو بشكل طبيعي في المجتمع، لا سيما وأنهم عانوا الأمرّين من خلال ظروف الحياة الصعبة التي تمر بهم. يخبرنا التاريخ عن عظماء كانوا زعماء، وعلماء، ومفكرين، مع أنهم نشأوا في مراحل حياتهم الأولى أيتاماً، إلا أنهم ترعرعوا في مجتمعات صالحة احتضنتهم؛ ليكونوا سواعد للمجتمع، وأصبحوا أعضاء ناجحين في مجتمعاتهم، ينهضون بواجباتهم، ويقومون بمسؤولياتهم.
أن نجعل من التفاتنا إلى شريحة مهمة من شرائح المجتمع، فإن ذلك يعني الاهتمام بهذه الفئة، والحرص عليهم، مع الإحسان إليهم، سواء أتت تلك الرعاية من جهات حكومية، أو من منظمات إنسانية؛ من أجل إعالتهم، حتى يستقلوا بذواتهم، ويستغنوا عن غيرهم، وهو الدور الذي تقوم به جمعية «إنسان»، والعمل على إيصال رؤيتها النيرة، والمتمثلة في الحكمة المشهورة: «لا تعطني سمكة، ولكن علمني كيف أصطاد سمكة». إقامة جمعية «إنسان» لهذه الفئة الغالية، حفل تكريمها للعام الثامن على التوالي على شرف - سمو الأمير فيصل بن سلمان؛ ليأتي التكريم ضمن البرامج التربوية، التي تنفذها الجمعية للأبناء الأيتام من كلا الجنسين المستفيدين من خدماتها، كما جاء في تصريح مدير عام الجمعية الأستاذ صالح اليوسف، ومثل هذه الاحتفالات لا شك تُعتبر من الخطوات التي لا يمكن تجاهلها؛ لتشجيعهم على مواصلة التعلم، والتعليم؛ وليكون ذلك حافزاً لغيرهم من الأيتام؛ للاقتداء بهم، عندها فقط سنستطيع رسم البسمة على شفاه هذه الفئة، عندما تسابق عبراتهم كلماتهم، وترنوا نظراتهم البريئة إلينا وهم يُكرمون؛ ليشعروا بالأمن النفسي، والاجتماعي. إن جاز لي أن أختم بشيء، فهي الإشارة إلى قول الله تبارك وتعالى: «{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (220) سورة البقرة فمخالطة الأيتام مع العدل، والإصلاح، ومراعاة مشاعرهم، وعواطفهم، وإدخال السرور على قلوبهم، من مقتضيات ما بيننا، وبينهم من الأخوة الإنسانية، والدينية، والرحم. وهو ما سيشغل حيزاً كبيراً في رعاية اليتيم، وكفالته، ولن يكون الأمر كذلك، إلا بالعمل على تحقيق آلية واضحة لمستقبل اليتيم، ورعايته داخل أسرته الطبيعية، وجعله يعيش في أحضانها، وهو النمط الذي تعمل من خلاله جمعية «إنسان»، فتقدم كافة أوجه الرعاية لليتيم، بوحي من مبادئ القرآن، والسنة.
drsasq@gmail.com