ودَّع الدنيا يوم الثلاثاء العاشر من محرم 1433هـ، وودَّعته قلوبنا قبل ألسنتنا بعد صلاة الجمعة الثالث عشر من محرم حيث توفي في أمريكا، وقبر في مقبرة النسيم بالرياض بعد الصلاة عليه في مسجد الراجحي بحي الجزيرة.
وأنا لا أكتب ترجمة لأخي محمد؛ لأنني أجزم أنّ ما سيكتبه أحد أبنائه البررة سيكون أجود وأشمل وأدق مما سأكتب وسأعين الراغب في ذلك إن أراد.
أما هذه السطور فهي شجون وذكريات مع الرجل الطموح محمد بن زيد، ومع الجاد محمد بن زيد، ومع الصبور محمد بن زيد، ومع المثقف محمد بن زيد، ومع المعلم الموجه والمرشد والقدوة محمد بن زيد. واصل الشيخ محمد دراسته حتى نال درجة العالمية (الدكتوراه) في التربية.. ولكني هنا لم أقل الدكتور لأني إن قلت الدكتور فقط فهي إنزال من قدره ومكانته؛ فالدكتوراه حملها من هبَّ ودبَّ، وحملها من لم نَرَ له أثرا في الحياة العملية، والحياة الاجتماعية له ولأسرته وبيئة عمله.
لقد كان شاباً في المرحلة الجامعية فكان شعلة نشاط وهمة وطموح؛ فقد درس الجامعة بين عامي 1395هـ و1399هـ وفي ذلك الوقت كانت الإمكانات قليلة والوسائل محدودة جداً ومع ذلك فقد كان يقرأ كثيراً، ويحفز همم أصدقائه وزملائه، ويتصل بالقريب والبعيد حاثاً على مواصلة الدراسة والتزَّود بالثقافة وإنارة العقل معطيا القدوة من سيرته ومنهجه الشَّخصي.
عرفته في ذلك الوقت وكنت طالباً في المرحلة المتوسطة أحبه وما خالطه أحد إلا أعجب به.
ثم مرت السنين والعلاقة بيننا تزيد وتقوى فهو ابن عم وجار في الحي، وشريك في هموم التربية والتعليم.
درس أبو زيد الماجستير بكل همة ونشاط في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الدراسات الإسلامية.
ثم درس الماجستير مرة ثانية في التربية ثم الدكتوراه في جامعة الملك سعود.
ألف أبو زيد أول كتاب محكم عن (الدلم) مدينتنا التي ولدنا ونشأنا وتعلمنا فيها وارتبطت بها مشاعرنا وذكرياتنا وشؤونا وشجونا. فكان ذلك الكتاب الذي صدر عام 1418هـ ضمن سلسلة (هذه بلادنا) كان وثيقة حب، وبرهان وفاء ودليل وطنية حقة صادقة مخلصة. نأمل أن ييسر الله طبعته الثانية فقد نفذت طبعته الأولى في العام الذي طبع فيه وأشرفت عليه ضمن السلسلة الرئاسة العامة لرعاية الشباب.
بدأ حبيبنا وفقيدنا مسيرة العمل في التعليم عام 1399هـ معلماً ثم وكيلاً ثم مديراً في معهد المعلمين في الخرج؛ فكان له دور مشرف في إعداد الرواد من مدرسي ومديري مدارس الخرج والدلم ثم انتقل إلى الإشراف التربوي في إدارة التعليم في الخرج، ثم إدارة التعليم في الرياض، ثم عمل مديراً للتربية والتعليم في محافظة الأفلاج ثم مديراً للتربية والتعليم في محافظة القويعية وختم تلك المسيرة بالعمل مستشاراً في مكتب وزير التربية والتعليم. خلف أبناء بررة -إن شاء الله تعالى- وجدناهم من خيرة شبابنا، أخلاقاً عالية وجداً واستقامة وإني لأجد شيم أبي زيد ومكارمه فيهم وأعلق الآمال على زيد وعبدالعزيز وحمد وسعد وإخوانهم أن يكونوا خير خلف لوالدهم في مسيرته العلمية والخيرية؛ فقد كان عضواً عاملاً في عدد من المؤسسات الخيرية في الخرج والدلم وغيرهما، وآمل أن يكمل أولئك الأبناء مسيرة والدهم في البر والصلة وحسن التعامل والطموح العلمي والثقافي وأن نجد عندهم سعة الأفق والثقافة وأن يزين ذلك كله تقوى الله تعالى وقوة الاعتماد عليه. وهذه الأخيرة خصلة كريمة ورثها فقيدنا من أبيه (زيد بن محمد العسكر) الذي عرفته أسرتنا عاملاً مكافحاً صبوراً في مزرعته التي عرفت باسم فريد في الدلم.. فـ(هلاله) كانت ميدان عمل والد فقيدنا وفيها ذكريات ذكر لي والدي طرفاً منها حيث كان بيننا وبين تلك الأسرة الكريمة صلات حب وود وتعاون وثيق.
غفر الله لزيد بن محمد وابنه محمد بن زيد ورحمهما وأكرم نزلهما، وجعل قبورهم رياضاً من رياض الجنة وجمعنا وإياهم وأحبابنا في الفردوس الأعلى من الجنة إنه تعالى جواد كريم.
عبدالعزيز بن صالح العسكر
عضو الجمعية العلمية السعودية للغة العربية