في أصعب التحديات تتجه الأنظار إلى المملكة العربية السعودية ومليكها حكيم الأمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، بل إنه - حفظه الله- يستشرف بحكمته وحنكته التحديات وما يبدو في الأفق من متغيِّرات وأخطار تستوجب اليقظة والتحرّك والاستباق وتجاوز الواقع للتعامل مع التطورات من موقع الخطوط الأمامية وليس الانكفاء، ولذلك تتسم رؤية وسياسة خادم الحرمين بالمبادأة المقرونة بالحكمة والمواقف الكبيرة واستشراف الخير ودرء الشرور في عصر تتقاذف فيه الأزمات العالمية والفوضى الإقليمية.
فحكمته - حفظه الله- تعمل على تعظيم الروح الإيجابية والتضامن والتعاضد إن كان على الصعيد الداخلي أو على المستوى الخليجي والأمة، وما أكثر وأصدق المواقف وأعظم المبادرات التي بادر بها الملك المفدى - حفظه الله-، في مسيرة المملكة والحراك الكبير للتنمية الشاملة وخطوات الإصلاح والتطوير ودعم آلياتها ومقوماتها وتوسيع شرايين العمل الوطني وروح الانتماء وتأصيل الحوار الوطني والوحدة الوطنية والتلاحم بروح سامية طالما دعا إليها خادم الحرمين الشريفين.
وخليجياً جاءت قمة الرياض للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي في دورته الثانية والثلاثين معبّرة عن رؤية الملك عبد الله بن عبد العزيز لواقع التحديات الإقليمية والدولية التي تؤثّر في حاضر ومستقبل المنظومة الخليجية، والتي بدورها لا تزال تؤكّد قدرتها على الاستقرار والتأثير إقليمياً وعالمياً لأهمية دول المجلس كمنظومة واحدة على مختلف الأصعدة ساسياً واقتصادياً، وتأثيرها الإستراتيجي في الحضارة الحديثة التي تعتمد كثيراً على الطاقة البترولية ومن ثمّ أهمية تأثير دول مجلس التعاون في أسواق البترول ذات الصلة الشديدة بالاقتصاد العالمي. ولقد قدَّم خادم الحرمين الشريفين مبادرته الأهم بمستقبل مجلس التعاون بدعوته إلى تجاوز حدود التعاون إلى اتحاد هذا الكيان الخليجي الهام.
لقد عبَّر حكيم الأمة عن رؤيته بصوت العقل والحكمة عندما قال - حفظه الله: (نجتمع اليوم في ظل تحديات تستدعي منا اليقظة وزمن يفرض علينا وحدة الصف والكلمة، ولا يخفى عليكم جميعاً أننا مستهدفون في أمننا واستقرارنا، لذلك علينا أن نكون على قدر من المسؤولية الملقاة على عاتقنا في ديننا وأوطاننا، إننا في دول الخليج العربي جزء من أمتنا العربية والإسلامية ومن الواجب علينا مساعدة أشقائنا، في كل ما من شأنه تحقق ما لهم حقن دمائهم، وتجنيبهم مخاطر التدخلات، لقد علّمنا التاريخ وعلّمتنا التجارب أن لا نقف عند واقعنا ونقول اكتفينا، ومن يفعل ذلك سيجد نفسه في آخر القافلة، ويواجه الضياع وحقيقة الضعف، وهذا أمر لا نقبله جميعاً لأهلنا وأوطاننا واستقرارنا وأمننا).
لقد لامس خادم الحرمين الشريفين برؤيته الثاقبة فحدّد الواقع وشخّص الداء علىضوء التحديات الإقليمية والعالمية،كما حدَّد العلاج الدقيق لتحصين هذه المنظومة المهمة وتفعيل دورها بما يعود على شعوب دولها وسياساتها ومواقفها بالخير والعزة والمنعة. إن المرحلة الحالية بمتغيّراتها إقليمياً وعالمياً تستوجب تعزيز شرايين إنجازات المجلس والانتقال من حدود التنسيق والتعاون إلى روح الاتحاد ومقوماته وخصوصاً أن المجلس أثبت على مدى أكثر من ثلاثة عقود صلابته وقدرته على مواجهة التحديات والمتغيِّرات إقليمياً وعالمياً ومن الطبيعي أن تعبّر هذه المنظومة عن آمال وتطلعات مواطنيها في الدول الأعضاء وفي نفس الوقت تعزيز الروابط والوشائج وتحقيق الأهداف في حياة كريمة آمنة مطمئنة لشعوبها لتكون درعاً واقعياً لمواجهة أي تهديد يستهدف أمنها واستقرارها وأماني شعوبها.
إن اقتراح خادم الحرمين الشريفين بالانتقال بمجلس التعاون إلىكيان اتحادي إنما يعبِّر عن إرادة صادقة لتطوير التعاون الاقتصادي والأمني والدفاعي بين دول المنطقة، وتعميق الانتماء المشترك لشباب الخليج وتحسين هويته وحماية مكتسباته. وأشاروا إلى أن خادم الحرمين يهدف إلى تحقيق رؤيته السياسية الثاقبة التي تضمن المستقبل الزاهر لمنطقة الخليج العربي، من خلال التكامل والوحدة الفعلية فيما بين الدول الأعضاء، والتصدي لكل من يحاول النيل من دول الخليج.
وعلى ضوء الأهداف الصائبة التي تجلَّت في دعوة خادم الحرمين الشريفين كان من الطبيعي الاستجابة السريعة والترحيب الكبير من قادة دول المجلس لهذه الدعوة الحكيمة لمستقبل المجلس، حيث رحب قادة دول المجلس بالدعوة والعمل مباشرة على تحقيقها.. وعلى شعوب دول المجلس الشقيقة الحفاظ على مكتسبات أوطانها بتلاحمهم وروح البناء والاتحاد. وفَّق الله خادم الحرمين الشريفين وإخوانه القادة، وأدام على بلادنا الخير والأمن والأمان.