|
سان فرانسيسكو - عبد المحسن المطيري
لا يهم إن فاز الفيلم الفرنسي الحديث The Artist بجائزة أفضل فيلم بحفل الأوسكار القادم أم لا، الشيء الجيد والمهم هو تواجد هذا الفيلم في ساحة السينما العالمية بشكل عام، والأمريكية بشكل خاص، لأن الجمهور الأمريكي يحتاج لمثل نوعية هذه الأفلام الدسمة والمليئة والتي تعد بمثابة المصل الذي يعالج التسمم الخطير الذي تسببه الأفلام التجارية السيئة في هوليود، والتي خلقت جيلاً جديداً من الجمهور الأمريكي لا يستوعب الفن بعمقه وجماله الذي من المفترض أن يكون عليه.
تواجد هذا الفيلم في صالات السينما الأمريكية جعل الجمهور الشاب يتساءل عن كيفية مشاهدة السينما الصامتة لأنه اكتشف أن هناك جمالاً كان مغيباً عنه طوال العقود الماضية إلا نادراً.
القيمة التي صنعها المخرج ميشيل هازايافيكس من خلال شركات الإنتاج السبعة الضخمة الفرنسية كان درساً يجب أن يتعلم ويستفيد منه صناع السينما الأمريكون الجدد، فهو بذل جهداً خرافياً من أجل صناعة فيلم يحرج حتى النقابات الأمريكية في تفضيله على الأفلام الأخرى.
وتقدم قصة الفيلم مسيرة أحد نجوم السينما الصامتة وعلاقته العاطفية مع أحد ممثلات الكومبارس لا نجد هناك تعقيداً في السيناريو ولا يوجد أي تكثيف في الشخصيات الفرعية فقط نجد هناك بطلاً وبطلة وفروعاً ثانوية معدودة في كليشية لا يمكن أن يتكهن أحد بنجاحه على مستوى التنفيذ، لا أننا نجد أن هناك قصة كلاسيكية مكررة لا جديد فيها يقدم ميشيل هازايافيكس تحدٍ من نوع آخر وهو إخراج هذه القصة البليدة نوعاً ما في قالب إخراجي كلاسكيي يحاكي بدايات السينما ولكن مع تفاصيل في النص ينجح من خلالها بالتفوق على نصوص حالية غير مكررة.
لذلك نجد أنه لا مفر من الإقرار بأهمية التحدي الذي واجهه المخرج ميشيل هازايافيكس وفريق عمله الفرنسي المتكامل فهو يقدم قصة على أساس وأرضية ثقافية مختلفة عن ثقافته كلياً، لأنه الفرنسيين نلاحظ عليهم أنهم يجيدون اللعب على نمط الأسلوب الفرنسي أو الأوروبي الحديث ولكننا نجدهم يفشلون كثيراً عندما يقارعون السينما الأمريكية، خصوصاً في موطن حساس وهام في تاريخ السينما الأمريكية وهو البدايات.
ومع ذلك نجح ميشيل هازايافيكس وطاقمه التمثيلي الساحر في إقناع الجميع بأن ما يرونه هو قطعة تم صنعها في العام 1929 وللتو خرجت حديثاً لأننا نجد عند مشاهدة الفيلم أخطاء نادرة تبعدنا عن أجواء السينما الصامتة والتي نتمنى أن لا يكون هذا الفيلم هو الأخير الذي يحتفي بها.
السينما الصامتة هل تستحق الاهتمام ؟
من الملاحظ أن أفلام الأوسكار لهذا العام تحتوي على تحية كبيرة لتاريخ السينما الصامتة، فنجد الفيلم الأكثر احتفاء هذا العام (The Artist) في مقدمة تلك الأفلام التي قدمت التي كرمت السينما الصامتة والتي لم تجد الكثير التقدير الكافي من صناع السينما في عصرنا الحالي خصوصاً الأمريكيون منهم، من الجانب الآخر نجد أيضا المخرج مارتن سكوريزي قدم لفتة جميلة أخرى للسينما الصامتة في فيلمه الحالي (Hugo).
تكريم السينما الكلاسيكية بشكل عام والسينما الصامتة بشكل خاص ليس جديداً بساحة السينما الحديثة حيث سبق أن قدم المخرجان ستانلي دونن مع جين كيلي من خلال فيلمها الغنائي الرائع (Singin› in the Rain).
إعادة متميزة لتاريخ هام للسينما الصامتة لكنهم كانوا ساخرين نوعاً ما على عكس التكريم الحالي من خلال المخرجين ميشيل هازايافيكس مع مارتن سكورسيزي واللذان قدما تحية أعظم من أي عمل سبق تقديمه للجمهور في السينما الأمريكية، يتميز تكريم المخرج مارتن سكوريزي للسينما الصامتة بأنه كان مستهدفاً الجيل الجديد لأنه مارتن مزج بين تكريم السينما الصامتة من خلال تقنية حديثة يفضلها الجمهور الناشئ وهي تقنية ثلاثي الأبعاد.
بالإضافة إلى أن فيلم مارتن سكوريزي يحتوي على الكثير من الثيمات والأساليب العائلية، فنجده بذلك يقنع الجمهور العائلي بقصته الجذابة لهم ثم يبحر بهم في جماليات السينما الكلاسيكية ويقدم لهم أحد أكبر اللحظات التاريخية التي رافقت صناعة السينما الصامتة في وقت مضى.
من الجانب الآخر نجد عمل المخرج ميشيل هازايافيكس يكرس فيه مرحلة هامة في مسيرة السينما الصامتة، ومن شدة الولاء للسينما الصامتة عمد المخرج ميشيل هازايافيكس على الانتماء الكلي التام والمخلص لعصر بدايات السينما فالموسيقى هي المؤثرات وهناك عبارات على الشاشة بدلاً من الحوارات، وحتى في أسلوب المونتاج نجد أن هناك التزاماً متشدداً في محاكاة السينما الصامتة.
وحتى القصة تنتمي بشكل أساسي لصناعة الأفلام الصامتة قبل مرحلة دخول الصوت في نهاية العقد الثاني من القرن الماضي.
في فيلم (Singin› in the Rain) نجد المخرجين ستانلي دونن مع جين كيلي لم يقدما ما يكفي لتحية جمالية الصمت في الماضي، فقد قدما عليها التحية للمشاهد الراقصة والأغاني في الفيلم، أيضا هناك سخرية جعلت مبدأ أن الفيلم يعد تكريماً للماضي مشكوكاً فيه، وهذا لا يعني أننا لسنا أمام فيلم جيداً.
ولكن بالطبع لا نتحدث هنا عن فيلم قدم نفسه لكي يكرم سلف السينمائيين والذين كان لهم الفضل في قلب الموازين في جعل دور السينما أكثر متعة من المسارح ودور الأوبرا وغيرها من الأماكن الترفيهية المحدودة في ذلك الوقت، تحية نوع أو أسلوب أو طريقة في السينما ليست محدودة في تكريم السينما الكلاسيكية فحسب، فنجد المخرج كونتين ترانتينو يصنع فيلماً يلقي من خلاله التحية على أفلام الآندرغرواند «البي موفيز» الرخيصة من خلال ثنائيته الرائعة مع المخرج روبرت رودريغز (Grind house).
ولا يجب أن ننسى المخرج أنطوان فوكوا والذي بدأ عليه التأثر وعلامات الإعجاب والتحية لأفلام مارتن سكوريزي وكونتين ترانتينو أثناء صناعة فيلمه الجذاب (Training Day).
ونجد المخرج ديفيد فينشر يلهمه كثيراً نص الفيلم الكلاسيكي الهام في تاريخ السينما (Citizen Kane)، وهنا نجد أن صناعة السينما قائمة بالأساس على الإلهام والإعجاب من قبل صناع السينما الحاليين بالمخرجين السابقين، حتى وإن لم يصرح البعض بهذا الأمر نجد أن هناك تأثراً بشكل أو بآخر بأسلوب سابق أو بمخرج سابق مثل نوح بونباه مع وودي آلن وبين آلفيك مع كلينت استود وبول توماس آندرسون مع مارتن سكورسيزي حتى وإن حاول تجنب الإلهام ولكنه يبدو واضحاً من الأسلوب خصوصاً في بداياته.