لو ذهبت إلى إحدى الجهات الحكومية لإنجاز معاملة، ستقف أمام الشبّاك صباحاً عند الثامنة والنصف، ستشم رائحة الفول والشكشوكة قبل أن ترى ثلة موظفين جالسين حول إحدى الطاولات، ولو تجرأت وسلّمت عليهم، فلن يعيرك أحد انتباهاً، وإن أعدت السلام، سيلتفت نحوك أكثرهم ظرفاً، وهو يقول: عليكم، انطح فالك! ولو أنك تعرف النطح جيداً، لنطحت الجدار حتى تكسر فتحة الشباك الصغيرة، وفتحت الجهاز، وسجلت معاملتك في ثلاث ثوان، ثم مضيت.
أما الاحتمال الآخر، فستجد أحدهم ضيّق خلق، وهو يجيبك، يا أخي ما تشوفنا نفطر؟ حط معاملتك، وارجع بعد نصف ساعة. ستضعها، ثم تعود بعد المدة المقرّرة، وتباغتك رائحة الدخان من فتحة الشباك، ولن تسأل لأنك فهمت أن فترة الفطور انتهت، والآن فترة الدخان، ولا تعرف ماذا ستكون الفترة اللاحقة، ولا تعرف ماذا تجيب اتصالات جوالك من جهة عملك، لأن هناك بعض المراجعين قد تكدسوا أمام مكتبك، وهم يلومون إهمالك واستهتارك بأهمية العمل وقيمة المراجع!
يعمل موظف الحكومة بعد ذلك لمدة ساعتين فقط، أو ثلاث ساعات للموظف النشيط، يتخلّلها اتصالات شخصية وقراءة صحف، وتصفّح الإنترنت، بعدها تأتي رحلة جلب التلاميذ من مدارسهم، وعدم العودة إلى العمل في أغلب الحالات!
لماذا لا يعمل من موظفي الحكومة إلا 30% فقط، بينما 70% منهم متسيِّبون، كما يقول تقرير ديوان المراقبة. ولماذا يقول تقرير هيئة الرقابة والتحقيق إن 94% من موظفي الحكومة يتغيبون عن العمل بشكل مستمر؟
إجابة معظم موظفي هذا القطاع، هو أنه سواء عملت أم لم تعمل، لن يتغيّر الراتب، لن تزيد علاوتك، ولن تنخفض، لن يتم تقديرك كموظف مخلص ومنتج، ولن يعاقب زميلك كموظف مهمل ومتسيِّب، هكذا هو حال موظف الحكومة بشكل عام!
أي أن العلاوة السنوية معروفة سلفاً، وسيحصل عليها الموظف سواء عمل أم لم يعمل، بل حتى لو لم يعمل لن يتم الاستغناء عن خدماته، طالما أنه يقوم بالتوقيع يومياً في كشف الحضور والانصراف، أما ما بينهما من ساعات عمل فيمكنه التغيّب عنها، أو الجلوس دون أي شعور بمسؤولية العمل، وتعطيل معاملات الآخرين.
ولعل الأمر الغريب في الجهات الحكومية، أن المهمل والمتسيِّب هو أحياناً من يحصل على الدورات التدريبية بحجة عدم الحاجة إليه، بينما من يعمل بضمير وإخلاص يتم رفض ذهابه في دورات لأن العمل سيتعطّل حين ذهابه.
هناك شعور داخلي لدى موظف الحكومة بأنه لا يتقاضى المرتب الذي يناسب الجهد الذي سيبذله حينما يعمل بانضباط، وهو لا يتناسب مع المقابل المادي الذي يحصل عليه موظف القطاع الخاص والذي يؤدي المهام ذاتها. وهذا الأمر يشجع أحياناً الموظف الحكومي الجاد والمنضبط إلى البحث عن عمل يناسب طموحه في القطاع الخاص، مما يؤدي إلى فقدان القطاعات الحكومية العديد من الكفاءات الشابة المتميزة. خلاصة القول، أظن أن القطاع الحكومي بحاجة إلى بحث طرق الثواب والعقاب، حتى يتقدّم الأداء بشكل يعود على الإنجاز، والتخلص من البيروقراطية المقيتة!