الهند بلدٌ كبير.. ليست بلداً، بل هي أقرب أن تكون قارة كاملة، فهي سابع أكبر دولة في العالم من ناحية المساحة (تسبقها روسيا ثم كندا فالصين فأمريكا فالبرازيل فأستراليا)، وأما من ناحية عدد السكان فهي الثانية بتعداد يتجاوز ملياراً ومئتي مليون شخص لا يفوقهم في ذلك إلا الصين، يتكلم هؤلاء الهنود آلاف اللغات المختلفة ويدينون بأديان كثيرة متغايرة، أكثرها أتباعاً هي الهندوسية كما هو معروف.
وإذا ذُكِرَت كلمة «هندوسية» فهناك صورة تقفز فوراً لذهن القارئ: مشهد أرملة هندوسية تصيح وتنوح وترثي فقيدها بأن تُحرق نفسها حتى الموت في جنازته. هذا لعلّه أشهر منظر لهذه الأمّة لدى الكثير من الناس حول العالم، إضافة لمشهد آخر وهو منظر حشود ضخمة من الهندوس وهم يغتسلون في نهر الغانغ، وهو أعظم أنهارهم قداسة ويرون أنه تجسيد لإلهة سموها غاغا، وأن الاغتسال في هذا النهر يمحو الذنوب، فيقطعون المسافات شديدة البُعد ليغمروا أنفسهم فيه وكذلك ليَغمسوا فيه رُفات أحبابهم، ليس فقط تخلُّصاً من ذنوبهم ولكن أيضاً ليتخلصوا مما يُسمّى «سمسارا» وهي دورة الحياة والموت، فهم يؤمنون بتناسخ الأرواح، والحياة كما يعتقدون مكونة من 4 مراحل وهي الولادة فالحياة فالموت وأخيراً الحُلول وهو عندما تحِلُّ الروح القديمة في جسدٍ جديد، وأما إذا ما اغتسل المرء في ذاك النهر فقد يتحرّر من هذه الدورة!!
أما حرق الأرامل فهو أيضاً من غرائبهم القبيحة، وهذا الطقس - والذي يُسمّى «ساتي» على اسم إحدى آلهتهم أيضاً، والهندوس اخترعوا ألوفاً مؤلّفة من الآلهة!-، أقول: هذا الطقس قديم ونجد له آثاراً منقوشة على الحجر في أحقابٍ سالفة تعود إلى سنة 400م في غرب الهند، وليس هذا طقساً شائعاً عند الهندوس وإنما ظهر في بعض طوائفهم، ذلك أن جثمان الميت يُحرَق عندهم، وطريقة «ساتي» أن المرأة إذا توفي زوجها فإن جنازته تُحرَق في اليوم التالي وأثناءها تتقدّم هي وتجلس حيث زوجها الميت وتدع النيران تأكلها حيَّة وتلحق به.
في عام 932هـ ظهر الملك المسلم ظهير الدين بابُر وحَكَم الهند مُنشئاً ما يُسمّى بدولة المُغَل، واستمرت هذه الدولة الهندية المسلمة حتى عام 1273هـ عندما أزالها البريطانيون، وأثناء الحكم الإسلامي للهند لم يتدخل المسلمون في شؤون الهندوس الداخلية، إلا أن هذه الشعيرة الشنيعة أثارت الاشمئزاز في نفوس المسلمين، ولا سيما أنها لم تكن دائماً شعيرة اختيارية، ففي بعض الحالات كانت إجبارية، فيُخدِّر الهندوس نساءً توفّي أزواجهن وذلك باستخدام الأفيون أو البانج (وهو نوع من الحشيش) ثم يربطونهن ويحرقونهن أحياء مع أزواجهنّ الميتين، وكان الملك نصير الدين همايون - ثاني حُكّام دولة المُغَل - أول من نادى بمنع هذه الشعيرة وحاول جُهدَه في ذلك، غير أنها استمرت بين الهندوس، وقلّت تدريجياً على مرّ الزمن حتى اندثرت اليوم تقريباً، وأولاً وأخيراً الحمد لله على نعمة الإسلام.