في الأسابيع الماضيــــة شهدت الرياض العاصمة، مناسبات وطنية هامة، لصالح المواطنين الذين يطالبون دوماً بالاهتمام بحاجتهم لإنجازات وطنية تشعرهم بقيمتهم كمواطنين من حقهم الاستمتاع بتلك الإنجازات والفرح بها، أسوة بالدول الأخرى، ومن حقهم التعايش مع تلك الإنجازات باليوم والساعة والاستعداد لها! فكانت مناسبة اليوم الوطني الذي استمتع به الشعب السعودي، لتزامنه مع الإجازة الأسبوعية، لتصبح الإجازة أربعة أيام بدلاً من يوم واحد، فكانت الفرحة بالإجازة لا توصف، خاصة للطلاب الذين يمنحون لأنفسهم إجازات قبل وبعد الإجازات الرسمية غير عابئين بالتحذيرات والتهديدات المدرسية! ولكن ما شهده اليوم الوطني من سلوكيات غير واعية في الشوارع والحدائق العامة من بعض المراهقين والعوائل التي لا تساهم في توعية أطفالها بأهمية احترام المرافق العامة لدليل كبير على أن الاستهتار بالنظام واضح جداً، والشواهد عليه كثيرة حتى في مناسبات وطنية أخرى كمثل ما يحدث في أيام الجنادرية، أو المباريات النهائية، أو في المعارض الموسمية، أو في معرض الكتاب الدولي، مما يدل على أن السبب الرئيسي في الاستهتار بالنظام واحترام متطلبات تلك المناسبات حتى تظهر وتنتهي بالصورة المُشرفة هو “غياب العقوبات”، وهذا من أهم الأسباب التي لا بد أن تسعى أمانة مدينة الرياض وغيرها من الأمانات إلى العمل على المطالبة بها وإقرارها وإعلانها للعامة، حتى يتم ضبط تلك السلوكيات غير الوطنية التي لا تمت إلى ديننا الإسلامي بصلة، الذي أوصى بأن إماطة الأذى عن الطريق صدقة، ولكن الكثير من أفراد شعبنا الكريم لا يحترم ما حوله من تعمد كثير منهم ترك مخلفات طعامه خلفه ببساطة، والذهاب لمنزله مطمئناً من المحاسبة!
ولقد كان الانتشار المبالغ فيه لسيارات الشرطة والدوريات الأمنية وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في اليوم الوطني منذ ساعات المساء الأولى له دليلا قويا على التوقع بحدوث سلوكيات مرفوضة، ولا بد من الاستعداد الأمني لها، الذي قد تؤدي مواجهتها إلى نهايات مأساوية وقاتلة! وهذا ما نشاهده على مدار السنوات الماضية منذ إقرار الإجازة لليوم الوطني والسماح للمواطنين بالتعبير عن فرحهم الكامن بداخلهم!
لكن المشكلة الأزلية التي نعاني منها هي “عدم التهيئة مسبقاً سلوكياً ونفسياً” لكثير من المواطنين الذين هم بحاجة لسنوات طويلة لكي يدركوا كيفية أساليب التعبير الواعي عن مشاعرهم العامة، سواء بالفرح أو الغضب، وما تحتاج له من ضبط حسب الزمان والمكان! خاصة أننا نجزم جميعاً بأن هناك خللاً ملموساً في تناقض السلوك العام لديهم عند سفرهم لدول أخرى والتزامهم بالنظام تلقائياً، بدون معرفتهم ماهية العقوبات تجاه مخالفة ذلك! لذلك لن يتم معالجة هذا الخلل إلا بتطبيق العقوبات بحق من لا احترام لديه تجاه مرافق الدولة العامة، التي أُنشئت من أجل راحتهم وكلفت الدولة الملايين!
وما حدث -مؤخراً- بعد افتتاح منتزه الملك عبدالله من المواطنين والمقيمين أيضاً لمؤشر خطير على أن درجات الوعي لدينا مازالت للأسف في أدنى المستويات، وأن على أمانة الرياض تكثيف الرقابة الأمنية السرية والمعلنة لكي تفرض الالتزام بالنظام بجميع صوره بإعلان العقوبات والغرامات المالية، سواء في منتزه أو مناسبة وطنية أو معرض للكتاب أو احتفال شعبي أو معرض للمنتجات الوطنية، أو حتى في الطرق المخصصة للمشاة، وعدم الاهتمام بنظافتها ورمي المخلفات بسهولة، غير آبهين بمن حولهم ومضايقتهم بممارسة هذا السلوك غير الواعي واللامحترم، الذي لم ينتشر علناً إلا بسبب عدم محاسبتهم “فمن أمن العقوبة أساء الأدب”!!