روى أبو هريرة رضي الله عنه أنّ الصحابي الجليل ثمامة بن أثال سيد بني حنيفة لما قدم مكة قال له قائل: أصبوت؟ قال: لا ولكن أسلمت مع محمد صلى الله عليه وسلم، ولا والله لا تأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم [البخاري : 4024]، ثم خرج إلى اليمامة، فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئاً ، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك تأمر بصلة الرّحم.. ، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه أن يخلي بينهم وبين الحمل. (السيرة النبوية لابن هشام 6/112).
في السادس من أكتوبر من كل عام يحتفل الإخوة في جمهورية مصر الشقيقة بالنصر على جيش العدو الإسرائيلي المحتل للأراضي الفلسطينية والقدس الشريف، احتفال الأبطال باستعادة كامل التراب المصري الموسوم بسيناء بعد احتلال دام ستة أعوام، احتفال يسطر في كتب التاريخ ويدوّن في سجل انتصارات المسلمين، في هذا اليوم تعطّل المدارس والدوائر الحكومية وترتسم مظاهر البهجة والسرور على محيا الإخوة في مصر، هذا كله يحدث في مصر فما علاقة كاتب هذا المقال بهذا الحدث؟
{وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ} (5) سورة إبراهيم، يتذكّر كاتب هذا المقال المتواضع كما يتذكّر السعوديون في جميع أرجاء مملكتنا الغالية، كيف استقام واستدام هذا الانتصار المصري العربي بقرار ملك حكيم شجاع جريء، يوم أصدر الديوان الملكي البيان التالي: (انطلاقاً من البيان الذي صدر عن الديوان الملكي بتاريخ 22 رمضان 1393هـ والتي قررت فيه حكومة صاحب الجلالة - الملك فيصل بن عبد العزيز - تخفيض إنتاجها من البترول بنسبة 10% عشرة بالمئة فوراً، ومتابعتها لتطور الموقف، ونظراً لازدياد الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل، فإنّ المملكة العربية السعودية قررت إيقاف تصدير البترول للولايات المتحدة الأمريكية لاتخاذها هذا الموقف). قبل هذا البيان كان موقف سكان الأرض من هذه الحرب القائمة بين مصر وإسرائيل بين مهتم ومراقب ومتابع ومتطفّل، ومنهم من يسمع ولا يدري أين مصر وأين إسرائيل منها، فلما نطق الفيصل بالقرار التاريخي وشلّت مكائن المصانع وانطفت أنوار المنازل وركنت المركبات إلى الشوارع، عرف الصغير والكبير الجاهل والمتعلّم، السياسي والاقتصادي من تكون حرب السادس من أكتوبر، وبين قرار حظر تصدير البترول إلى أمريكا، وقرار رفع الحظر، مراسلات ولقاءات تخللها مفاوضات ومساومات بين ممثلين عن جلالة الملك فيصل وفخامة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، نشرتها مؤخراً أغلب الصحف كوثائق تاريخية لمرحلة محورية لا يتسع المقام لإيرادها هنا، وبإمكان القارئ الكريم أن يستعرضها في أغلب مواقع الإنترنت .. أعود لأقول أستعيد كسعودي ذكرى هذا اليوم بالفخر، وأعتز كلما قرأت كلام الراحل أنور السادات في الفيصل بن عبد العزيز - رحمهما الله - حيث قال: (إنّ فيصلاً هو بطل معركة العبور، وسيحتل الصفحات الأولى من تاريخ جهاد العرب، وتحوّلهم من الجمود إلى الحركة، ومن الانتظار إلى الهجوم. وهو صاحب الفضل الأول في معركة الزيت، فهو الذي تقدم الصفوف، وأصرّ على استعمال هذا السلاح الخطير، والعالم ونحن معه مندهشون لجسارته. وفتح خزائن بلاده للدول المحاربة، تأخذ منها ما تشاء لمعركة العبور والكرامة، بل لقد أصدر أوامره إلى ثلاثة من أكبر بنوك العالم، أن من حق مصر أن تسحب ما تشاء وبلا حدود من أموال للمعركة). وسبحان الله أن جعلنا كمسلمين نستعيد بهذه الذكرى صفحة من صفحات سيد المرسلين فما بين حنطة اليمامة وبترول السادس من أكتوبر، فروع لجذور ورضي الله عنك يا ثماميا سيد بني حنيفة يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم أرسيت بفعلٍ لم يُسفك فيه الدم ولم يُروع فيه الأمن قاعدة بنى عليها الفيصل قرار السيادة والكرامة فاستدام النصر للإخوة في مصر.
واليوم وبعد أربعين عاماً ومصر الشقيقة تنفض عنها غبار فئة اختارت الإرهاب منهجاً والظلال دستوراً والفتنة سياسة، وما كان للجيش المصري الباسل من موقف بطولي لما انحاز لإرادة الشعب المصري الأبي كما عهد عنه، فكانت أحداث العنف هي السمة الغالبة على منقول وسائل الإعلام المأجور، ما أدى إلى اختلاط الأمر على دول العالم الحر بفعل تصريحات دعاة الإرهاب والفتنة والظلال والتي دعت بشكل سافر لتدخل مجلس الأمن في شؤون بلدها تمهيداً لاستعمار جديد، وكادت أرض الكنانة أن تهتز بفعل التصريحات المتعجّلة لبعض القادة، بل كادت أن تدخل مصرنا الغالية في دوامة الحرب الأهلية، فكان العبور الثاني بتصريح الزعيم المحنّك خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - أيّده الله - والذي أعاد التوازن لمصرنا الغالية ووضع لقادة العالم الموازين القسط في الحكم على الوضع في مصر، وأتبع التصريح الملكي مساعدات مادية عاجلة تمثلت بسيولة نقدية ومستشفيات ميدانية وتوجيه الدبلوماسية السعودية برحلات مكوكية لإبلاج الصورة الحقيقية عن الوضع في الديار المصرية.
وآخر المقال أجاد الإمام الشافعي لما قال:
جزى الله الشدائد كل خيرٍ
وإن كانت تغصصني بريقي
وما شكري لها إلا لأني
عرفت بها عدّوي من صديقي