لو أن أحدا ذكر أنه لا يوجد أي سعودية تعمل في قطاع الإنشاءات فسيكون ذلك مقبولاً جدا باعتبار طبيعة هذا القطاع ونوعية الوظائف المتاحة فيه، لكن أن تُظهر بيانات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية والمعتمدة من قبل وزارة العمل في تحديد عدد السعوديين العاملين في القطاع الخاص أن 104 ألف سعودية يعملن في هذا القطاع فهذه فضيحة مدوية ودليل قاطع على تفشي السعودة الوهمية في سوق العمل في المملكة.
كما تؤكد أن وزارة العمل لا ينقصها الدليل القاطع على فشل برامجها وتسببها في تفش خطير في السعودة الوهمية وبصورة واضحة، والذي لا يمكن تفسيره إلا بكون الوزارة غير مستعدة بعد للاعتراف بفشل برامجها، أو أن وزارة العمل، وهذا هو الأخطر، ليست مهتمة بحقيقة ما يتحقق على أرض الواقع، وهي معنية فقط بعدد السعوديين الذين تتم إضافتهم في نظام التأمينات الاجتماعية لا أكثر.
النتيجة الأخطر لهذا التفشي في السعودة الوهمية أن وحدات القطاع الخاص أصبحت الآن تجد صعوبة في استقطاب الشباب السعودي للالتحاق بعمل حقيقي. فمن سُجل وهميا ويتقاضى أجراً قد يتجاوز 1500 ريال شهريا، وهو غير مطالب بالحضور أو القيام بأي عمل فعلي، قد لا يكون من السهل إقناعه في الالتحاق بعمل حقيقي حتى وإن وصل أجر هذا العمل إلى 4000 ريال أو حتى أكثر. بل إن أحد الأشخاص يذكر أن إحدى المؤسسات الخاصة عرضت عليه راتب يبلغ 3500 ريال شهريا مقابل تسجيل اسمه في نظام التأمينات الاجتماعية، ومثل هذا الشخص يلزم أن يعرض عليه راتب مرتفع جدا لكي يقبل التنازل عن هذا الوضع المريح جدا.
وفي ظل هذه المعدلات العالية التي قد تكون بعض مؤسسات القطاع الخاص مستعدة لدفعها لمن تسجلهم في نظام التأمينات الاجتماعية لرفع نسبة سعودتها وهميا، فإن العديدين ممن يعملون فعلا فضلوا ترك أعمالهم ومنح أسمائهم لتلك المؤسسات، أي أن الأمر لم يعد مقصوراً فقط على مئات الآلاف ممن سُجلوا وهميا ولم يلتحقوا بعمل حقيقي بل تعداه إلى قيام بعض من كانوا يعملون فعلا بترك أعمالهم والتوظف وهميا، وهو ما قد يفسر الصعوبة المتزايدة التي أصبحت وحدات القطاع الخاص تجدها في الحصول على عمالة مواطنة حتى عندما تعرض رواتب قد تتجاوز أحيانا 4000 ريال شهريا.
ما يعني أن برنامج نطاقات قد انتقل من مجرد برنامج يدفع إلى السعودة الوهمية إلى أن أصبح برنامجا يدفع باتجاه تحقيق سعودة عكسية، بتشجيعه للسعوديين العاملين في القطاع الخاص على ترك أعمالهم والتحول إلى مسجلين وهميا وترك أي عمل حقيقي كانوا ملتحقين به، أي أنه يتسبب في تراجع عدد السعوديين العاملين فعلاً في القطاع الخاص وبالتالي الإسهام في إفشال برنامج السعودة الذي يفترض أن وزارة العمل مكلفة ومعنية بإنجاحه. والحقيقة أن وزارة العمل بتبنيها لبرامج لا تملك أي فرصة للنجاح وغير مدروسة بعناية حققت عكس ما هو متوقع منها، لكنها ليست بعد مستعدة لمصارحة المجتمع بهذه الحقيقة وبعد عملية إصلاح سياساتها رغم الأخطار الهائلة المترتبة على تأخرها في ذلك، والتي من الواضح أنها تزداد سوءا يوماً بعد يوم وتتسبب في تفاقم خطير للتشوهات التي يعاني منها سوق العمل في المملكة.