كان الحوار الوطني له أبعاد وطنية ذات منظور بعيد, وهو التقريب بين وجهات النظر، المجتمع هذه الأيام أقصى الحوار وصعد في التشدد بالرأي.
وفي أول ميدان المواجهة الاجتماعية، وهي الأهم قيادة المرأة للسيارة احتدم التحدي بين الطرف الممانع والراغب لقيادة المرأة، وكادت ومازالت أن تكون مواجهة حامية بين فئتين غاب الحوار بينهما. إذن لماذا دفعت الأموال وتم إنشاء مركز للحوار الوطني وإدارة وموظفين, فالمركز فشل أن يطرح مشكلة مثل قيادة المرأة للسيارة بل سكت عن هذا الشأن باعتباره شأنا داخليا واجتماعيا.
طرح الحوار الوطني الكثير من القضايا بعضها قد يكون جانبيا وهامشيا ولم يطرح قضايا مفصلية، وموضوع قيادة المرأة من أكبر القضايا التي تحتاج إلى حوار وطني، لأن التصعيد الحالي في أجهزة وقنوات التواصل الاجتماعي أشرك معظم أبناء المجتمع، حتى أن بعض القنوات زاد من إشعالها، فقد خصصت بعض القنوات معظم بثها لتناول هذا الموضوع، فالطالبات والطلاب في التعليم العام والجامعات مشاركين في هذه القضية التي تعد من أسخن القضايا العامة ليس لكون المرأة طرفا فيها، وإنما لأنها ستقود إلى تغير في المجتمع ونقله في المجتمع من حيث السلوك الاجتماعي، التعامل اليومي والإجراءات ونمط الحياة العامة.
لا يمكن قياس قيادة المرأة للسيارة بأي قضايا سابقة من: تعليم المرأة, والبث التلفزيون المحلي، والبث المباشر والقطار, وغيرها من الطروحات القديمة. قيادة المرأة إن تمت أو رفضت ستبقى قضية لسنوات مقبلة، فالأمر متعلق بآراء شريعة وناحية حضارية وتقبل المجتمع، وحركة الأجيال. فإذا كان هذا الجيل (الأول) يرفض قيادة المرأة قد يكون الجيل القادم (الثاني) يقبل بمحدوديتها وبشروط، أما الجيل الثالث فقد يقبلها بحكم فرض الواقع لكن ما يحدث الآن هو غياب الحوار، وكأن الأمر كسر العظم، فقد دفع بموضوع قيادة المرأة بسرعة وقوة بلا حوار أو تدرج في حين أن قضية القيادة تحتاج إلى حوار موسع للخروج برأي توافق عليه شريحة واسعة من المجتمع، وليس الفلاشات والبطولات من الطرفيين... استقرار مجتمع بلادنا أهم من المجازفات وعرض البطولات من أي طرف، وبالمقابل استمرار السائق الأجنبي داخل بيوتنا ويخدم محارمنا بسيارات صغيرة يسمع كل منهما أنفاس الآخر ويتكشف السائق على عائلاتنا أمر غير مقبول، وأيضا فقدان أو نقص النقل العام الذي يجب أن يخدم المرأة والطفل أمر غير مقبول، كذلك نقص القطارات والناقلات الكهربائية السريعة التي تخدم العائلات أمر غير مقبول، وأيضا الصمت أمام عدم وجود وسائل جماعية لنقل المعلمات والعاملات في المستشفيات والجامعات أمر غير مقبول. كذلك السكوت تجاه هذه المعضلات وترك حلها على الأهالي سيتحول مع الوقت إلى دوافع أكثر زلزالية لقيادة المرأة للسيارة لخدمة نفسها بعيدا عن سلبية جهات الخدمة وبعيدا عن حماس الغيورين، نحتاج إلى حوار وطني معمق وجاد وفيه من المكاشفة الشيء الكثير لقضية تخص المرأة وتخص الأسر للمحافظة عليها وتلبية احتياجاتها.