أكبر نقد يوجه للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني يتمثل في ضعف مخرجات التعليم لسببين؛ الأول: عدم اعتراف الجامعات بأغلب المواد المدرسة في المؤسسة في حال رغب خريجوها المواصلة في الجامعة؛ والثاني: عدم توافق هذه المخرجات مع سوق العمل.
السبب الأول مضلل، فلا علاقة له بمخرجات تعليم الكليات التقنية، فاتهام المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بالتقصير في تحويل شهادات خريجي الكليات التقنية من دبلوم إلى بكالوريوس، أو بأن مناهج الكليات التقنية ضعيف لأن خريجيها الذين يرغبون بمواصلة الدراسة بالجامعات، لا تعادل لهم نسبة كبيرة من المواد التي درسوها، يُغفل أن المعايير التي تتطلبها الجامعات غير تلك التي توفرها الكليات التقنية، فكأنه يطالب بتحويل تلك المؤسسة إلى جامعة، وهذا ليس هدفها.. فأهداف التعليم التقني والجامعي مختلفة.
لدينا قناعة عامة غير واقعية بأن تكون كافة مؤسساتنا التعليمية بعد الثانوية جامعية خريجوها يذهبون لوظيفة مكتبية، وأن تكون جامعاتنا قادرة على استيعاب كافة خريجي الثانوية، متغافلين عن أهمية التعليم التقني ودوره الأساسي في التنمية وسد احتياجات سوق العمل. لذا وصل عدد الجامعات الحكومية بالمملكة 25 جامعة، وبلغت جاهزيتها لاستقبال خريجي الثانوية نسبة 95%. هذه نسبة ضخمة غير صحية مقارنة مع نسبة الالتحاق بالجامعات التي تصل إلى 56% لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (منظمة دولية مكونة من مجموعة البلدان المتقدمة)، فمثلاً تبلغ النسبة 36% لألمانيا و30% لتركيا (تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، 2011). هناك نسبة كبيرة تذهب إلى التدريب التقني بالدول المتقدمة تصل إلى نحو 45% مقارنة مع 10% فقط لدينا بالمملكة، وكأن العمل الفني لا يصلح للسعوديين.
المملكة تنفق نسبة أعلى من الناتج الإجمالي على التعليم العالي مقارنة مع أية دولة من دول منظمة التعاون الاقتصادي، بينما تنفق نسبة أقل على التدريب التقني من كافة دول المنظمة. فإذا أخذنا النسبة من إجمالي الناتج نجد أن المملكة تنفق على التعليم العالي حوالي 19 بالألف، مقارنة بـ 12، 11، 10 بالألف لليابان وكوريا وألمانيا، على التوالي. بالمقابل تنفق المملكة على التدريب التقني ما نسبته 2.4 بالألف مقارنة مع 3.8، 6.7، 7.3 بالألف لليابان وكوريا وألمانيا، على التوالي.
ففي اليابان التي تعتبر الأكثر إنفاقاً على التعليم العالي والأقل على التعليم التقني بين دول منظمة التعاون الاقتصادي، زاد عدد الجامعات بشكل كبير في التسعينات وزاد معه معدل الالتحاق بالجامعات أكثر من 50%، لذا رفضت وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا اقتراح هيئة استشارية لتأييد إنشاء ثلاث جامعات العام الماضي، مما أثار جدلاً هناك (صحيفة ماينيتشي اليابانية).
السبب الثاني لنقد المؤسسة، له مبرراته وهو عدم توافق مخرجات الكليات التقنية مع سوق العمل سواء من ناحية الجودة أو من ناحية نوع التخصص الذي يطلبه السوق، إلا أن هذه مشكلة عامة لكافة مخرجات التعليم: العام والجامعي والتقني، مما ولد بطالة لدى خريجي هذه المؤسسات التعليمية. لكن لو قارنا نسبة البطالة بين خريجي الكليات التقنية وهي 16% إضافة إلى نسبة 8% غير معروفة (التقرير السنوي للمؤسسة، 2012)، مع نسبة البطالة بين خريجي الجامعات وهي 43% حسب تقرير الباحثة الاقتصادية ذكاء الخالدي (صحيفة الحياة)، سنجد أن المشكلة أخف بالنسبة للكليات التقنية.
ففي المملكة عشرات الجامعات تدفع بحوالي مئة ألف خريج إلى سوق العمل سنوياً، مما أدى إلى تزايد البطالة بين خريجيها (تقرير لصندوق النقد الدولي). فالبطالة بين خريجي الجامعات تصل إلى ضعفها بين خريجي الكليات التقنية.
أحد أهم أسباب البطالة بين خريجي الجامعات لدينا هو التخصص الذي يطلبه سوق العمل، حيث نجد زيادة نسبة الخريجين من التخصصات النظرية ما بين (80-85%) مقابل (15-20%) للتخصصات العملية المطلوبة في سوق العمل حسب دراسة محروس غلبان، التي أضافت سبباً آخر وهو فشل النظام التعليمي في غرس مهارات المبادرة والابتكار المطلوبة في سوق العمل، وسبب ثالث وهو النظرة الدونية لبعض المهن من قبل المجتمع.
كما أن من أهم أسباب البطالة هو منافسة الوافدين، يقول وزير العمل عادل فقيه: «هناك ثمانية ملايين عامل وافد ستة ملايين منهم يشغلون وظائف متدنية لا تصلح للسعوديين.. 68% راتبهم أقل من ألف ريال (270 دولاراً) و18% أقل من ألفين (540 دولاراً) أي أن 86% منخفضة الأجور، يشغلون اليوم حوالي ستة ملايين وظيفة في القطاع الخاص». وتساءل الوزير «كيف سنوظف هذا العدد إذا كانت غالبية وظائف القطاع الخاص منخفضة الأجور؟ (صحيفة الشرق).
زيادة التخصصات النظرية بالجامعات السعودية تولد حاجة ماسة لزيادة دعم المؤسسة العامة للتعليم التقني والمهني، فهي تهدف إلى تنمية الكوادر الوطنية من خلال تدريبها عملياً لسد حاجات سوق العمل، وذلك عبر عدة وسائل كإعداد البرامج وفقاً لخطط التنمية، وتأهيل التقنيين والمدربين.. والجديد حالياً هو عقد شراكات إستراتيجية مع القطاع العام والخاص وإشراكهما في عملية التدريب، حيث تقوم المؤسسة بتنفيذ مشروعات مشتركة معهما لتشغيل الكليات التقنية من أجل زيادة فاعلية التدريب ومضاعفة طاقته الاستيعابية، لأن نسبة القوى العاملة المحلية التي تنخرط في مجال التدريب التقني حالياً لا تتجاوز 10%، وتتطلع المؤسسة لتحقيق عام 2020م ما تعادل نسبته 40% من الملتحقين بهذا المجال للوصول للمعدل الطبيعي للبلدان المتقدمة.
سندرك صعوبة الموقف إذا كان متوقعاً وصول عدد فرص العمل الجديدة المطلوبة بالمملكة 2.5 مليون فرصة عمل عام 2018م! وستكون هناك فجوة ضخمة لسد حاجة سوق العمل (تقرير برنامج حافز)، والخشية أن يملأها الوافدون! والاقتراحات لسد هذه الفجوة تطول وتتشعب وتتعقد، لا تنحصر فقط بالتعليم فبعضها ذو بعد اجتماعي ثقافي وبعضها اقتصادي تنموي، ولا يسمح الحيز بطرحها، إلا أن أسهلها وأوضحها يمكن توجيهها إلى التعليم العام بمراجعة برامجه التعليمية وتطويرها بما يلائم احتياجات سوق العمل، عبر زيادة المقررات العلمية التي تركز على الجانب العملي وتقليل المقررات النظرية التي تشكل الجزء الأكبر في المناهج. فخريجو التعليم العام يأتون للمعاهد والكليات التقنية بخلفية نظرية بحتة تفتقد للجانب التطبيقي، فلا تزال نسبة المقررات العلمية والرياضيات هي الأقل في مدارسنا مقارنة مع كافة دول العالم!.