ودعنا سنة هجرية، واستقبلنا أخرى هذا اللأسبوع، وقد تصادفت مع ظاهرة فلكية، ألا وهي كسوف الشمس!
تزامن الظاهرة الفلكية مع بداية عام أشاع بعض التعليقات والتأويلات، واللافت أن غالبها غيب تمام العقل العلمي ورفض الفهم العلمي، ليظهر مجدداً خلل الذهنية العربية والإسلامية العامة، أقصد خللا في رفض العلم، أو تجاوزه، أو حتى تحييده، وان قبله قبله على استحياء..!
بعضهم قال: إننا نودع اليوم سنة هجرية بكسوف للشمس.. فهل ما ستفعله من إدارة لوجهها المشرق تعبير عن خجل من أفعالنا؟.. لطفك يا الله...! وبالفعل قد تكون الأفعال مخزية لدرجة رهيبة، لكن لن يكون سبباً في الكسوف على أية حال!
فيما يردد طفل صغير ان الظاهرة تعبر عن غضب رباني، كما قال مدرسه - دون وصف علمي، ينقله إلى مرحلة الاعجاب بهذه الدقة في تسيير الكون وكواكبه بأمر الله!
كسوف الشمس ظاهرة فلكية تحدث عندما توضع الأرض والقمر والشمس على استقامة واحدة تقريباً ويكون القمر في المنتصف، أي في وقت ولادة القمر الجديد - مطلع الشهر الهجري - بحيث يلقي القمر ظله على الأرض، حيث قرص القمر المظلم يعبر قرص الشمس المضيء.
ورغم ان التفسير العلمي الفلكي موجود ومبسط، وأصبح الإعلان عن موعد الكسوف نفسه وكذا الخسوف من ضمن الاخبار الاعتيادية في وسائل الإعلام، لكننا في الوقت الذي نستقبل هذه التقديرات الفلكية بقناعة كبيرة وترقب وثقة وإيمان بالله، نرفض في المقابل ما ينادي به الفلكيون من سنوات لحساب الأشهر الهجرية مسبقاً دون انتظار لعين مجردة تخترق الغبار والسحاب لرؤية هلال يخبر ببداية الشهر، أو بداية عام، والخروج بتقويم سنوي ثابت يمكن له أن يسير الحياة بشكل عملي، لا قائما على التخمين وقدرة النظر.!
لكن بالرغم من ذلك نستمر في تناقض عجيب بين بداية سنة هجرية بناء على رؤية عين بشرية مجردة، وبين كسوف للشمس سبق حسابه فلكياً وعلمياً قبل حدوثه؟
ثم تأتيك الحكاية الأخرى من ربط بين سلوك الناس، ومشاكل وخسائر الأمة العربية والإسلامية وتردي أوضاعها، كما يفسر شيخ أو داعية بأسلوب وعظ مكرر ونظري يقوم على الترهيب والتخويف من الظواهر الطبيعية لا محاكاتها أو إزاحة المكان للعلم وتفسيراته الواضحة.
إنها قصة خلل مستمر في الذهنية العربية والإسلامية القائمة على الانطباع والشعور الخاص، بخلفية رافضة للالتحاق بالعلم.
نفس الذهنية التى تحارب التقنية وتشك فيها، وتنتظر الوقت قبل أن تتسامح معها، أو مع أي منجز بشري، في ظل عجزها التام عن تقديم أشياء مماثلة وذات قيمة للبشرية، أو أن تقدم منجزا يستحق الإشادة والثناء. أو على الأقل تحد من إعاقتها للتقدم.
يساهم الراقصون على الجهل والجمود في استغلال المترابطات نظرياً من أجل نشر خطابهم البسيط لجذب المتابعين من العامة، وهذا على ما يبدو مشروعهم الوحيد!
لذا تجدهم متوقفين على اجترار الماضي، دون أي محاولة للتنوير وإعادة تأهيله وخلق ثورة من داخله تحركه زمنياً، أو تقديم العقلية النقدية والعلمية، محل التبجيل والمشاعر الشخصية والتصورات الواهية، فتش حول الكثير من الأوهام التي تعطل التنمية أو تنازعها - أقصد تنمية الإنسان - ستجد أن هناك من يمارس لعبته عبر شخوص تفتعل الكثير لتكريس الجهل والتخلف، من أجل بقاء سطوتهم وسلطتهم على العقل.
وإلى وقت قريب كنا نعتقد أن الدول والحكومات هي المستفيد بل والسبب في تكريس هذا التراجع العلمي والفكري، لكن الحقيقة تكشف لنا أن غير هؤلاء هم المستفيدون الاكبر من تراجع العقلية النقدية والعلمية إلى أقل مستوى ممكن، عبر محاصرة الناس بثقافة عامة وجامدة لا تستجيب للحياة وتطورها وتنميتها مادياً ومعنوياً وتقنياً، بل وقد تكون في خطابها معادية له ولو عن حسن نية أو بسبب وعي قاصر أو محدود مع أن الله قد ألهم عقول خلقه كي يتدبروا ويتعلموا ويستفيدوا مما أفاء الله به من علم أتاحه للإنسان كي يعمّر الأرض ويخدم غيره.