أثار مقال (جيش دولة الإسلام في العراق والشام (داغش) أو القاعدة الإيرانية، ردود فعل متباينة، ففئة وهي الأغلب أثنت وأيدت ما ذهبت إليه من هذا الخطر الذي يحيط بالعملية الجهادية على أرض الشام، وما
ذلك إلا لقراءة هؤلاء للواقع مجرداً من أي عاطفة، وفئة وهي قليلة جداً ولكنها قد تحدث تشكيكاً في الفهم لدى الآخرين، مما يدفع بالبعض إلى الإحجام على الأقل عن قول الحق وبيان الحقيقة، لا أقول على المستوى الإعلامي فقد لا يكون لهم تواجد إعلامي، ولكن في محيطهم الاجتماعي، وهو لا شك محيط خطير ومؤثر.
على مر التاريخ الإسلامي ظهرت جيوش ومنظمات وتجمعات واتحادات تسمت بأجمل الأسماء الدعوية أو الجهادية ورفعت شعار التوحيد الخالص، ولكنها كانت أبعد الناس عن الحق وأقربهم إلى الباطل، فقد سفكوا الدماء المعصومة، ونهبوا الأموال المصانة، وشعارهم نصرة الإسلام والمسلمين.
لا أذهب بعيداً فما حصل من تفجير وقتل للمسلمين والمستأمنين على هذه الأرض، أرض بلاد الحرمين الشريفين، حصل وأصوات هؤلاء المفجرين والقتلة تكبر وتهلل وتثني على نصر الله!! فهل نحتاج إلى دليل أبلغ من هذا الدليل؟
ولكن للأسف ما زال البعض لا يحاول أن يقرأ الواقع قراءة صحيحة، ولا يحاول أن يستشعر الخطر، بل إن البعض يرى ما يمكن أن يقع من هؤلاء المستخدمين الجهاد وشعار الدعوة والصلاح هو من باب الخطأ وشرهم ولا خير غيرهم!! تقول لهم هؤلاء يشوهون الإسلام، فيقولوا لك ما وجدت إلا إخوتك في الدين لتنقدهم؟ لماذا لم تنقد وتعري أعداء الدين الحقيقيين؟ لماذا لم تثر قضية بورما وما يحصل من تقتيل للمسلمين هنالك؟ لماذا لم تصطف مع الإخوان في مصر ضد الانقلاب؟ لماذا ولماذا، أسئلة ملغومة مغلوطة تنبئ عن عدم شعور بالخطر أو عدم حب في معرفة مكمن الخطر كالنعامة تدفن رأسها في الرمل!!
لعلي أقدم لكل من شكك في خطر العدو عندما يكون من الداخل، كما هي حال الخوارج ومن سلك دربهم علواً ونزولاً، أقدم أقوالاً لعلماء لا أعتقد أن أحداً سيصنفهم، وإن صنفهم فلا أمل في أن يفهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قال ابن الجوزي -رحمه الله- فيما يرويه عن أبي الوفاء علي بن عقيل الفقيه -رحمه الله- قال: قال شيخنا أبو الفضل الهمداني: “مبتدعة الإسلام أشد من الملحدين”، مبتدعة الإسلام وأصحاب البدع والانحراف عن النهج السوي الذي جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم-، هؤلاء أشد من الملحدين، “لأن الملحدين قصدوا إفساد الدين من الخارج، وهؤلاء قصدوا إفساد الدين من الداخل، فهم كأهل بلد سعوا في إفساد أحواله، والملحدون كالحاضرين من خارج عدوا ظاهرا، فالدّخَلاءُ -يعني أهل البدع- كأولئك الذين يكونون بداخل الحصن يفتحون الحصن فهو شر على الإسلام من غير المُلابس له، وشر هؤلاء ظاهر، وأما شر المنتسبين إلى دين الله رب العالمين والداعين بزعمهم إلى صراط الله المستقيم شرهم أعظم وأكبر على جماعة المسلمين من أولئك الذين يحاولون صدع الدين وإزالة شوكة المسلمين، فالعدو الظاهر أقل خطراً من العدو الداخلي الباطن”.
- وقال شيخ الإسلام -رحمه الله - في سياق كلامه عن الخوارج: “وأنَّ الصحابة لم يكفروهم، ومازالت سيرة المسلمين على هذا، وما جعلوهم مرتدين كالذين قاتلهم الصديق -رضي الله عنه- هذا مع أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الأحاديث الصحيحة، وما ورد أنهم شر قتلى تحت أديم السماء، وخير قتيل من قتلوه، كما في الحديث الذي رواه أبو أمامة -رضي الله عنه- عند الترمذي وغيره.
أي أنهم شر على المسلمين من غيرهم، فإنهم لم يكن أحد شراً على المسلمين منهم لا اليهود ولا النصارى”، هؤلاء الخوارج كما يقول شيخ الإسلام، وقد حارب جميع من ذكر، حاربهم بسيفه، وحاربهم ببنانه، وحاربهم بلسانه، يقول: “فإنهم -يعني الخوارج- لم يكن أحد شراً على المسلمين منهم لا اليهود ولا النصارى، فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم، مكفرين لهم، وكانوا متدينين يتقربون إلى الله رب العالمين بذلك، وذلك لعظم جهلهم ولبدعتهم المضلة، فهؤلاء كانوا أخطر وأشد شراً على المسلمين من العدو الخارجي.
قلت: إن ما ندعو إليه ليس حرباً ضد هؤلاء، وليس اصطفافاً مع أعداء الله ضد إخواننا في الله، ولكن كل ما ندعو إليه هو حماية شباب الأمة من الوقوع فيما سبق أن وقع فيه المئات منهم، ألا وهو تكفير علماء الأمة وقادتها.
وإنني أحذر كما حذر غيري من العلماء والإعلاميين والمفكرين من هذا الخطر المحدق بالعملية الجهادية في أرض الشام، فلا نريد أن تتحول أرض الشام كما تحولت أرض العراق مقبرة جماعية للمسلمين المدافعين عن الأرض والعرض.
إن مشكلة البعض تلك العاطفة الجياشة تجاه كل من سمعه، يقول آية وحديثا ويرفع صوته مكبرا، وكأنه لم يسمع بتحذير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بعض أولئك الذين قال عنهم (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية).
أختم هذه المقالة بتأكيدي على أن الأعداء الظاهرين أهون وأعلم على الجميع من العدو المستتر الذي يظهر لنا منه الصلاح والتقى وهو إما يبطن النفاق والشقاق أو أنه لا يعلم ماذا يعمل، أي أنه ينفذ أجندة العدو من حيث لا يشعر.
تبصروا وأبصروا بقلوب واعية وأعين متفتحة، ولا يغرنكم لحن القول وجماله.
والله المستعان,,