مع بدء الحملة ضد العمالة المخالفة التي لم تصحح أوضاعها لجأت هذه العمالة إلى الاختفاء؛ ما تسبب في إغلاق العديد من المؤسسات الصغيرة، كما أصبح عدد كبير من المؤسسات تعمل بعدد أقل من العمالة؛ الأمر الذي يتضح معه أن هذه العمالة ومشغليهم يراهنون على قِصر نَفَس الحملة، وأنها لن تتعدى أياماً، بعدها تبدأ بالتراجع التدريجي، إلى أن تنتهي تماماً، مثلها مثل الحملات التي سبقتها؛ لتعود بعدها هذه العمالة تمارس مخالفاتها دون خوف أو محاسبة.
ويعمل لصالح العمالة المخالفة ومشغليهم أمور عدة، أولها: أن الصعوبة التي قد يجدها بعض المواطنين في قضاء حوائجهم وارتفاع تكلفة العمالة التي تقوم بالأعمال الحرفية، في ظل تخفي العمالة التي عادة ما تقوم بهذه الأعمال؛ كونها في الغالب عمالة سائبة غير نظامية، تجعل هناك تذمراً من هذه الحملة من قِبل المواطنين. ثانيها: أن المستفيدين من تجارة التأشيرات ومن تشغيل العمالة السائبة، باعتبار الإتاوات الشهرية التي تدفعها لهم، سيسعون لوأد هذه الحملة بكل ما يستطيعون، ولديهم وسائلهم الخاصة للضغط والتأثير على صناعة القرار. ثالثها - وهذا هو الأهم: أنها حملة مكلفة جداً، ونجاحها يتطلب قوة بشرية هائلة، تسخرها الجهات الحكومية المشاركة في هذه الحملة، وهذا منهك جداً لتلك الجهات إن استمرت لفترة طويلة؛ إذ يصبح من المؤكد تراخيها مع الوقت، بل حتى توقفها تماماً.
إذاً، ما هو الحل؟
الحل في التركيز على ملاحقة مشغلي هذه العمالة، وليس فقط ضبط العمالة المخالفة، فبما أن النظام ينص الآن على غرامة 100 ألف ريال على تشغيل من ليس على كفالة صاحب العمل، فعلى الجهات المسؤولة عند إجراء تفتيش عشوائي ومفاجئ للمنشآت تطبيق هذا القرار بحزم؛ فتُغرّم المنشأة 100 ألف ريال عن كل عامل ليس على كفالتها، وتكون هذه الغرامة واجبة الدفع حالاً، أو تغلق المنشأة ويُسجن صاحب العمل إلى أن يتم التسديد، دون أن يكون هناك أي هوادة أو مرونة في تطبيق النظام. عندها فقط سيكون ممكناً تنفيذ هذه الحملة بتكلفة محدودة وبكفاءة عالية؛ كون العمالة المخالفة لن تجد من يوظفها، وستفقد أي مبرر لبقائها في المملكة.
وبالمناسبة، فهذا ليس أمراً جديداً، فقد ذكر لي أحد كبار رجال الأعمال السعوديين أنه لا يُسمح مطلقاً بدخول أي أجنبي لمصانعه في جبل علي تحت أي ظرف كان، طالما أنه ليس على كفالة منشأته، ففي حال الاشتباه بأن هذا الأجنبي يعمل لديه سيغرَّم بـ 100 ألف درهم، وهو ليس مستعد للمغامرة وتحمل إمكانية حدوث ذلك، وما لم يصبح لدى منشآتنا مثل هذا اليقين بتطبيق النظام على الجميع، ودون أدنى استثناء أو تمييز، فإن من المؤكد أن هذه الحملة ستلحق بسابقاتها.