ثمة فرق بين كاتب وآخر. وهذا شيء بديهي, لكن ما عنيته.. هو الكاتب الذي يعتني بهموم الإنسان داخل مجتمعه وينقل نبضه فيحيله لفكرة معبرة ومنجزة, يتوجه بها لمن هم على هرم المسؤولية لسماع ما يطرح ويناقش.. والذين بدورهم عليهم مبادرة التحرك للقضاء على سلبية الرتابة والخمول المعطل لنداءات، إن لم تكن داءات إنسانية أقضت مضاجع أهلها بالأنين والشكوى, ولا مجيب هناك! لسماع صوته وأنينه المفجع والملح في تلبية مطالبه المشروعة والشرعية بزخمها العدلي والصحي والمعيشي نحو حياة كريمة لا مذلة ولا خنوع لاستجداء شفقة ورحمة إنسانية من قبل إنسان آخر.. بينما هي موجبات فرضية كفلتها شرائع السموات والأرض وكفلها ولاة الأمر في إسعاد مجتمعاتهم, إلا أن الفساد المستشري كالرشوة وسرقة المال العام, والتذرع بالقوانين والأنظمة بنقص الكوادر الإدارية, أصبحت هذه اللازمة هي المشجب الذي يعلق عليه المسؤول فشله. مما جعل الإنسان يفقد مصداقية كلام أي مسؤول عند مراجعته، حينما يبحث عن قضاء حاجاته بدائرته فلا يجد غير المماطلة والتسويف.. هذه من خصائص الكاتب النابه الذي يضع النقاط على الحروف, وإني لأراه قد اعتلى مكانة مرموقة عند قرائه, في كل ما يأتي به من جديد ومن كل حدب وصوب, وأدرك أن توارد الفكرة ليست بالأمر الهين عند الكاتب الذي يكتب بإنسانية وللإنسانية, فيتلمس مواقع الخلل عند هذا أو ذاك المسؤول دون بهرجة أو تدليس.
وبمثل هذا الكاتب المهموم بهموم إنسانية في معالجة شؤون مجتمعه لسوف يجد الكثيرين ممن يقرأ له ويتابعه, وربما ينقلون عنه في مجالسهم الخاصة ما كتب والإشادة بكل ما يتناوله من قضايا فكرية واجتماعية.. تأتي في أولويات اهتماماته. حينما يشاطرهم همومهم وبتلاحمهم معهم من خلال معطيات ايجابية متفاعلة وفاعلة في آن.. وفق أطر منضبطة ومعتدلة ونزيهة, حتى وإن أتت بجسارة.. فيجب أن يشوبها التروي والمصداقية. فطريق الكاتب محفوف بالمخاطر. وعليه ألا ينزلق قلمه على غفلة منه ليكون بمكانة تقويل وتهويل.. فنحن أمة ننشد الإصلاح بغير اجتراح لذمم وحقوق وثوابت. فلولا الأمم لما كانت الأوطان، ولولا الثقافة لما كان العلم, ولولا العلم لما كان العالم وصل لما وصل اليه في كافة صنوف البحوث العلمية والثقافية والمعرفية, وفق تقنيات حديثة مختصرة الزمن والمكان.. كوسائل الاتصال الاجتماعي, التي فتحت أجواء الفضاء الرحبة، ورسخت مفاهيم الفكر والعلم وكشفت وقمعت زيف الجهل. فالمثل يقول: «العلم بالشيء ولا الجهل به».. حتى أن وسائل الاتصال الاجتماعي كسرت طوق عزلة إعلام حكومات الدول, فيما يراد قوله أو سماعه أو معرفته, قبل أن يذاع عبر تلفاز أو صحيفة, فلم يعد اليوم هناك سر خاف على الإنسان، أليس ذلك بعائد لفضل العلم وتوسعه بنشر مفاهيم وثقافات علمية أتت بجزالة؟
وهي المساعد للكاتب الحاذق, لبلورة مفاهيمه الثقافية، لتفيض من مخزونه المعرفي والثقافي جمال الفكرة لتأتي بدورها بأسلوب شيق وجاذب للقارئ, وتبقى نقطة مهمة إن لم تكن الأهم, والتي من المفترض أن تكون من أولويات الكاتب لرقي إنسانه, هي تنمية الإنسان.. فإن الأمم الراقية سعت أولاً لتطوير الإنسانية البشرية.. فالكاتب الذي ينهج هذا المنهج الإنساني هو في نظري ذلك الكاتب العظيم الجدير بالاحترام.
الذي يمضي بجسارة في تلمس مشاكل إنسان مجتمعه.. فكم نحن بحاجة لتنمية إنسانية بشرية وبحاجة لتجديد رؤى وأفكار مستنيرة، فلم يعد مجتمع الأمس بمثل مجتمع اليوم الذي يشق طريقه لتوجهات معاصرة لحياة جديدة ملؤها الارتياح والانفتاح على العالم بأسره, بكل حيوية وهمة ونشاط مماثل.